في ذكرى ميلاد رجل الحلم والاغنية : جمال عبد الناصر



" تتجمع الكلمات حول اسم سرى كالنبض فى شريانهم
عشرين عاماً
كان الملاذ لهم من الليل البهيم
و كان تعويذ السقيم
و كان حلم مضاجع المرضى و أغنية المسافر
فى الظلام
و كان مفتاح المدينة للفقير ، يذوده حرس المدينة
عن حماها
و كان موسم نيلها ،
يأتى فينثر ألف خيط من خيوط الخصب تورق فى رباها
و كان من يحلو بذكر فعاله فى كل ليلة
للمرهقين النائمين بنصف ثوب ، نصف بطن
سمر المودة و التغنى و التمنى و الكلام .. "[i]
كلمات نبعت من قلب شاعر مصري هو صلاح عبد الصبور ، يحكي عن الفارس الذي اختلفت حول اخفاقاته حوارات النخبة واجتمعت على محبته قلوب ملايين المستضعفين في كل بقاع الارض ..
يحكي عن الرجل الحلم الذي عاش محلقا بعزة وطنه في عنان السماء  ، ورحل عن دنيانا تاركا خلفه الأغنية التي لايزال يتردد صداها على شفاة البسطاء لتكون هي وملامح وجهه الاسمر  بمثابة السلوى لهم في انتظار الغد الذي لم يأت بعد  ..
 يحكي عن الراحل الحاضر : جمال عبد الناصر ..
عن الانسان الذي سرى في دماءه الايمان بحق كل انسان في العيش بكرامة.. وبذل تلك الدماء طيلة عمره من اجل .هذا الوطن الحلم الذي تتكافأ فيه فرص الجميع في ممارسة انسانيتهم ..
وعن الزعيم الذي غيرت سنوات زعامته لمصر وللامة العربية صورة الرئيس المطل على شعبه من برجه العاجي واستبدلتها  بالزعيم الذي يشارك بسطاء شعبه في زادهم قبل ان يشاركهم في احلامهم وآمالهم  .. يحيا بينهم ، ولهم ..
عن القائد المؤمن  بأن القيادة الحقيقية هى الإحساس بمطالب الشعب، والتعبير عنها وإيجاد الوسائل لتحقيقها، وتجميع قوى الشعب وراء الجهود المحققة لها.[ii] وبأن دوره في الارتقاء بواقع ومستقبل الوطن  لا ينفصل أو يزيد عن دور اي فرد من افراد ذلك الشعب  ، بل هي كلها مجموعة من الادوار المتكاملة لن تؤتي ثمارها الا بالتعاون والتوحد حول الهدف الكبير .
عن الثائر الذي ادرك إن مجرد التغيير الثورى فى أوضاع المجتمع القديم لا يحقق أحلام الجماهير، ولكن الجهود المتواصلة هى وحدها القادرة على الوصول إلى الأحلام، كان يؤمن كذلك بأنه اذا اقتضت وظيفته ان يقوم بدور القوة المحركة والموجهة لطاقات هذا الشعب فإن ذلك لابد وان يتم في اطار من الواقعية والوضوح  و أن تحريك طاقات الشعب إلى العمل لا يجب أن يتم عن طريق إغراق الجماهير فى الأمل، إن التغيير الكبير بطبيعته يصاحبه تطلع بعيد المدى إلى الأهداف المرجوة من النضال، لكنه من ألزم الواجبات فى تلك الفترة أن تتضح أمام الشعب بجلاء صعوبة الوصول إلى الأهداف المرجوة، وليس من حق أحد فى هذه المرحلة أن يخدع الجماهير بالمنى، وإنما تقتضى الأمانة الثورية أن تكون لدى الجماهير صورة كاملة لمسئولياتها بلوغاً لآمالها، إن ذلك أمر ينبغى وضعه موضع الاعتبار طول الوقت، وينبغى أن يصاحبه تقدير للتطلعات الكبرى للجماهير، وتقدير فى الوقت ذاته للروح المعنوية لدى الجميع .
كان جمال عبد الناصر بذلك الايمان يؤكد حقيقتين جوهريتين طالما اثبتتها تجربة مصر في عهده الحقيقة الاولى  :.اذا كانت الحرية هي الغاية العليا لأي عمل وطني ثوري وهي ايضا هي الوسيلة المثلى لتحقيق اهداف هذا الكفاح و الحرية وحدها هى القادرة على تحريك الإنسان إلى ملاحقة التقدم وعلى دفعه، والإنسان الحر هو أساس المجتمع الحر وهو بنائه المقتدر،و إن حرية كل فرد فى صنع مستقبله وفى تحديد مكانه فى المجتمع، وفى التعبير عن رأيه، وفى إسهامه الإيجابى فى قيادة التطور وتوجيهه بكل فكرة وتجربته وأمله، حقوق أساسية للإنسان، ولابد أن تصونها له القوانين، وحيث أن القانون فى المجتمع الحر خادم للحرية وليس سيفاً مسلطاً عليها، ولكن لا حرية للفرد بغير تحريره أولاً من براثن الاستغلال، إن ذلك هو الأساس الذى يجعل الحرية الاجتماعية مدخلاً إلى الحرية السياسية بل هى مدخلها الوحيد. ولا يتم الا عبر الإستقلال الحقيقي في كل الميادين ..  
الحقيقة الثانية : ان كلا الحرية السياسية والاجتماعية لا سبيل اليهما الا عبر الكفاح  والعمل الوطني  ، والكفاح الوطني لا يقتصر على العمل السياسي ، بل هو عمل يشمل كافة مجالات الحياة على ارض الوطن . فقد كان عبد الناصر يرى إن الذين يجمدون الكفاح الوطنى بتفسيرات أو قوالب تحد قدرته على الانطلاق أو تشيع فيه روح التردد، إنما يقللون من قوة المجتمع بقدر ضعفهم، وعدم قدرتهم على التفكير الخلاق المنبعث من الواقع الوطنى، فالتقدم الوطنى لا تحققه كلمات محفوظة عالية الرنين،بعيدة عن الواقع، بلي تحققه سواعد ابناء الوطن و  إن تحرير الطاقات الخلاقة لأى شعب من الشعوب يرتبط بالتاريخ ويرتبط بالطبيعة، ويرتبط بالتطورات السائدة، والمؤثرة فى العالم الذى يعيش فيه، وليس هناك شعب يستطيع أن يبدأ تقدمه من فراغ، وإلا كان يتقدم إلى الفراغ ذاته
هكذا .. كانت رؤيا عبد الناصر قائمة على ان تحرير الفرد والامة من القيود الاجتماعية والتبعية الاقتصادية هي المدخل الوحيد نحو تحرير الوطن كله من براثن الاستغلال والتبعية سواء الداخلية منها او الخارجية واي حديث عن الاستقلال السياسي واعادة بناء مؤسسات الدولة دون ان يصاحبه بناء القوى المجتعية  ، أو عن تحرير لأرادة الشعب دون التفكير في تحرير طاقاته البناءه  ، سيظل دائما حديثا نظريا وخطوة في طريق  لن يكتمل نحو بناء مستقبل الوطن ..وان المعركة ضد الفساد السياسي بكل صوره واصلاح النظام الحاكم للدولة لابد وان يخوضها الشعب بالتوازي  مع معركة القضاء على الاستغلال والتمكين للحق الطبيعى فى الفرصة المتكافئة وتذويب الفوارق بين الطبقات وإنهاء سيطرة الطبقة الواحدة، ومن ثم إزالة التصادم الطبقى الذى يهدد الحرية الفردية للإنسان المواطن، بل يهدد الحرية الكاملة للوطن كله بأن يفتح من الثغرات فى صفوف الشعب ما يتيح الفرصة للأخطار الخارجية المتربصة بالوطن، تريد أن تجره إلى ميادين الحرب الباردة، وتجعل أرضه مسرحاً لها، وتجعل من شعبه وقوداً للنار.
لقد ادرك جمال عبد الناصر في بداية رحلته التي انطلقت مع سقوط نظام فاروق في 1952 ان المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد وان المسيرة والتحدي الذي يواجه الشعب المصري ويواجهه هو شخصيا لم يكن تحدي الاطاحة بنظام فاسد واعلان غيره بديلا عنه ، وانما هي مسيرة تغيير مسار الحياة داخل مصر نحو الاستقلال الحقيقي ، الاستقلال القائم على  الانتاج ، والعمل الانساني .. وأن العمل الإنسانى الخلاق هو الوسيلة الوحيدة أمام المجتمع لكى يحقق أهدافه، وهو المفتاح الوحيد للتقدم.  خاصة وإن طبيعة العصر لم تعد تقبل وسيلة للأمل غير العمل الإنسانى، لقد استطاعت مجتمعات أخرى فى قرون سابقة أن تحقق انطلاقها تحت ظروف سخرت فيها الطبقة العاملة بطريقة تتنافى مع الإنسانية لصالح الاحتكارات الرأسمالية الوطنية أو الأجنبية، وكذلك تحققت فى تجارب أخرى تحت ضغط بالغ القسوة على الأجيال الحية سلبها كل ثمار عملها من أجل الغد الموعود الذى لم تستطع أن تراه، أو وصلت إليه وهى تحمل على قلبها أقفالاً من الكبت النفسى، وتؤرق خيالاتها أشباح من الإرهاب والطغيان.
ان تلك الرؤية التي رسمها جمال عبد الناصر تفتح ابواب العمل الوطني على مصراعيه امام الجميع ، وتحطم الوهم بأن العمل الوطني القادر على تحقيق اهداف الشعب في حياة افضل هو حكرا على جماعة دون اخرى او مجال دون غيره ، لان العمل الوطني الفعال هو ذلك المتفجر من فأس كل فلاح  وماكينة كل عامل ، واذا كانت مسئولية قلة من الشعب ان تضع الخطة المنظمة  الموجهة للانتاج ، وان تكون تلك الخطة واضحة الهدف محددة المعالم والتفاصيل فإن مسئولية جموع المواطنين كل في موقعه ان يحول تلك الخطة من خلال عمله الجاد الى واقع ملموس .. و وعى كل مواطن بمسئوليته المحددة فى الخطة الشاملة، كذلك إدراكه المحدد لحقوقه المؤكدة من نجاحها، هو فضلاً عن كونه توزيعاً للمسئولية على نطاق الأمة كلها بما يعزز احتمالات الوصول إلى الأهداف هو فى الوقت ذاته عملية انتقال ثورية بمعنى العمل الوطنى من العموميات الشائعة المبهمة والغامضة، إلى وضوح ذهنى وعملى يربط الإنسان الفرد فى نضاله اليومى بحركة المجتمع كلها، ويشده فى اتجاه التاريخ، كما أنه يوجه به حركة التاريخ فى نفس اللحظة  .                                                                  
ان ثورية رؤيا جمال عبد الناصر كانت في وعيه لمدى خطورة تحول العمل الثوري الاول الى العمل الثوري الوحيد ، ووضعه في مكانته الحقيقية ، مكانة عمل البداية والانطلاقة لكثير من الاعمال التي لايقل أي منها تأثيرا في مسيرة التقدم في بلاده . فجمال عبد الناصر لم يتوقف بعد النجاح الذي حققه ورفاقه في ثورة يوليو والانقلاب على الحاكم الفاسد ، لم يتوقف كثيرا للتغني بما انجز وانما انتقل فورا للعمل الذي يليه. فقد كانت تلك مجرد بداية لتأويل الرؤيا وما تبقى خطوات عملية جادة على ارض الواقع المنهك ووسط ابناء الشعب الذين تحملو لعقود طويلة تبعات الاستعمار الداخلي والخارجي .. ويؤكد ذلك نظرة سريعة على تلك الآثار الهائلة للخطوات الثورية العملاقة التي خطاها ذلك الفارس في طريق نهضة مصر: قانون الاصلاح الزراعي  ، اصلاح منظومة التعليم  او تأميم قناة السويس او بناء السد العالي او انشاء مصانع المحلة او نجع حمادي وغيرها الكثير من المشاريع والخطط والسياسات التي غيرت وللأبد وجه الحياة في مصر بصورة جعلت اي عمل منها منفردا لا يقل أثرا  بأي حال من الاحوال عن الغاء الملكية وتحويل مصر الى جمهورية ..


وفي النظر الى تلك الاعمال وآثارها يتجلى لنا الفكر الثوري الايجابي  لجمال عبد الناصر ورفاقه في اسمى صوره ،  فهو فكر واع لمتطلبات الواقع ، متطلع الى الغد ، مسلح بالنظام والعلم وبعيد كل البعد عن الارتجالية والعشوائية .. فكر يرى العمل الثوري على انه لابد له أن يكون عملاً علمياً، لإن الثورة ليست عملية هدم أنقاض الماضى، ولكن الثورة هى عملية بناء المستقبل، وإذا تخلت الثورة عن العلم فمعنى ذلك أنها مجرد انفجار عصبى تنفس به الأمة عن كبتها الطويل، ولكنها لا تغير من واقعها شيئاً


إن العلم هو السلاح الحقيقى للإرادة الثورية. والعلم وحده هو الذى يجعل التجربة والخطأ فى العمل الوطنى تقدماً مأمون العواقب، وبدون العلم فإن التجربة والخطأ تصبح نزعات اعتباطية قد تصيب مرة، لكنها تخطئ عشرات المرات. و المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التى يتصدى شعبنا اليوم لمواجهتها لابد لها من حلول علمية، على أن مراكز البحث العلمى مطالبة فى هذه المرحلة من النضال أن تطور نفسها بحيث يكون العلم للمجتمع، إن العلم للعلم فى حد ذاته مسئولية لا تستطيع طاقتنا الوطنية فى هذه المرحلة أن تتحمل أعباءها؛ لذلك فإن العلم للمجتمع يجب أن يكون شعار الثورة الثقافية فى هذه المرحلة، على أن بلوغ النضال الوطنى لأهدافه سوف يسمح لنا فى مرحلة متقدمة من تطورنا بأن نساهم إيجابياً مع العالم فى العلم للعلم.
ان الحديث عن رؤيا عبد الناصر لمعركة النضال الوطني او عن تلك الخطوات التي خطاها بقوة نحو تحقيق تلك الرؤيا قد يطول ، الا انه استقراء لابد منه لتاريخ نحن احوج مانكون اليوم الى الاستعانة به .. والارتكاز عليه للقفز نحو مستقبلنا كما نحلم به ..قد تكون السنوات التي تفصلنا عن تلك الرؤيا قد غيرت الكثير فينا وفي ظروف المجتمع المحلى والدولي ، وقد تكون تجربة الثائر جمال عبد الناصر تعرضت بعد رحيله لكثير من العقبات والتشوهات التي جعلت من الصعب على الكثيرين التكهن بمدى قدرتها على تحقيق ما وعدت به ملايين المصريين .. الا ان التأمل في الفكر العملى الذي خطط للوفاء بهذا الوعد قادر على ان يختصر  لتجربتنا الثورية المعاصرة  الكثير من متاهات التجربة والخطأ  .
فما وضعه عبد الناصر من ركائز لانطلاقة صحوة مصر الكبرى كان ولا يزال حجر الزاوية ومفتاح حل لغز كيف نحقق التغيير الذي نصبو اليه ..اي من تلك الركائز سواء الاعتماد على العلم والتخطيط في رسم مشوار نهضة الوطن ، او الدعوة للتوحد ونبذ الخلافات ولم شمل جموع الشعب المصري والعربي حول هدف لا يتحقق الا بقهر الفردية والانانية  وتغليب المصلحة العامة واهداف الامة العليا على المصالح الشخصية ، ووصولا الى الخطوات العملية التي خطاها نحو تذويب الفوارق بين افراد الشعب الواحد والتي عمل من خلالها على تعزيز قيمة عمل كل فرد بداية من الفلاح المصري وما وضعه له من خطة بدأت بوضع القوانين التي تمكنه من استعادة السيطرة على حياته وارضه . وتأسيس المنظومة الاكبر التي تحمي ذلك الفلاح من الاستغلال والاحتكار وتقدم له الدعم بكل صوره من التخطيط والتوعية وتوفير الميكنة المتطورة ووصولا الى ما اسماه تصنيع الريف اي بناء المصانع التي تعتمد على الانتاج الزراعي بجوار القرى المنتجة للمواد الخام ، وغيرها من التفاصيل التي تعمل على ان يكون الفلاح المنتج يتمتع بنتاج عمله و يحظى بأستقلاليته وفي الوقت نفسه تحرص على الا ينفصل بجهده ونتاج عمله عن المجموع .. ومن كلماته الخالدة ما قاله عن مسئولية المدينة تجاه القرية حين قال : إن المدينة مسئولة مسئولية ضمير ومصير عن العمل الجاد فى القرية؛ من غير تعال عليها، ومن غير خيلاء. إن وصول القرية إلى مستوى المدينة الحضارى وخصوصاً من الناحية الثقافية سوف يكون بداية الوعى التخطيطى لدى الأفراد؛ وهو الوعى الذى يقدر على مواجهة أصعب المشاكل التى تعترض التنمية وتهددها ..
وبالمثل كانت ما شهدته الكثير من المجالات التنموية في مصر من تعليم و صناعة واستثمار وسياحة ، مشاريع عملاقة وسياسات وقوانين ، عمل دؤوب في كافة الانحاء ، حقوق تمنح تصاحبها واجبات ومسئوليات .. عمل لا يتوقف وعلاقة فريدة بين شعب مؤمن متماسك حول قائده ،وقائد لا يتخلى عن احلام شعبه مهما كانت التحديات ، حتى في احلك اللحظات ، وقت الهزيمة العسكرية في يونيو 1976 ، عرف الشعب ان طريقه الوحيد نحو التخلص من تلك الهزيمة هو التمسك بذلك القائد الصادق ، وكان القائد عند ظن شعبه فلم يتخاذل او يتنازل عن احلام هؤلاء البسطاء الذين خرجوا هاتفين به .. لم تتوقف خطة العمل والتنمية بعد الهزيمة بالعكس ، لقد استمرت ، لقد قام مثلا في اعقاب الهزيمة مباشرة بتشييد اكبر مجمع لمصانع الالومنيوم في نجع حمادي ، لم تتوقف للحظة من عمر مصر عبد الناصر عجلة الانتاج ، عجلة الحياة التي كانت دائما هي سر بقاء مصر وفناء غيرها ..
ان الحديث عن التغيير الذي احدثه جمال عبد الناصر في سنوات زعامته الثمانية عشر هو حديث يحمل الينا صخب العمال في المصانع والفلاحين في الحقول والطلاب في المدارس ، هو حديث عن وإلى الانسان العربي الذي وصفه الزعيم بأنه " قد استعاد حقه فى صنع حياته بالثورة .


الإنسان العربى الذي سوف يقرر بنفسه مصير أمته على الحقول الخصبة، وفى المصانع الضخمة، ومن فوق السدود العالية، وبالطاقات الهائلة المتفجرة بالقوى المحركة.


إن معركة الإنتاج هى التحدى الحقيقى الذى سوف يثبت فيه الإنسان العربى مكانه الذى يستحقه تحت الشمس.
إن الإنتاج هو المقياس الحقيقى للقوة الذاتية العربية تعويضاً للتخلف، واندفاعاً للتقدم، ومقدرة على مجابهة جميع الصعاب والمؤامرات والأعداء، وقهرهم جميعاً وتحقيق النصر فوق شراذمهم المندحرة. إن ذلك يتطلب جهوداً جبارة فى ميادين تطوير الزراعة والصناعة، وهياكل الإنتاج الأساسية اللازمة لهذا التطوير؛ وبالذات طاقات القوى المحركة ووسائل المواصلات. "
كانت تلك لمحات سريعه من مسيرة طويلة وومضات خاطفة من رؤيا حالمة رسمها الزعيم العربي المناضل ، ربما لتظل بعده مشعلا ينير طريق الصادقين في حب هذا الوطن في كل زمان ، ربما فارقنا جمال عبد الناصر الا ان بعضا من رؤياه لا تزال تسكن صدورنا ، ستظل مصر عبد الناصر ، بنجاحاتها واخفاقاتها دليلا للكثيرين منا في طريقهم نحو استعادة مصر التي نحلم بها .. مصر المفعمة بالحب والتفاؤل والاصرار ، المتفجرة بالطاقات البناءة ،المتجددة بفكر ابنائها والرائدة بسواعدهم ،مصر المعتزة بماضيها وحضارتها وهويتها وفي الوقت نفسه واثقة الخطى في طريقها نحو مستقبلها .. ربما عندها ستطالعنا كلمات صلاح عبد الصبور تخاطبه بعد الرحيل :  مصر تعيش ، أنت إذن تعيش ، فأنت بعض من ثراها
بل قبضة منه تعود إليه ، تعطيه و يعطيها ارتعاشتها
و خفق الروح يسرى فى بقايا تربها ، و ذما دماها
مصر الولود نمتك ، ثم رعتك ، ثم استخلفتك على ذُراها
ثم اصطفتك لحضنها
لتصير أغنية ترفرف فى سماها ...













[i] - قصيدة الحلم والاغنية للشاعر صلاح عبد الصبور كتبها في رثاء الزعيم جمال عبد الناصر
[ii] من مشروع الميثاق الذي قدمه جمال عبد الناصر في عام 1962   :  الفصل السابع (الانتاج والعمل )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق