الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد يروي قصة حياته


في بداية تكوين الحركة السودانية المركزية (حسم) كان المفكر الأستاذ محمد آبو القاسم حاج حمد يتحدث لمستمعيه بمنزل الصحفي ناصف صلاح الدين في أمسية من أماسي أوائل التسعينات في جلسة كان موضوعها (تجربة حاج حمد على لسانه)، وهي تساؤلات أجاب عليها بإفادات ثرة وصريحه - يرحمه الله - وخرجت منها الخرطوم الجديدة بالتالي.

النشأة والميلاد

الميلاد 11-1942م في قرية مقرات بالشمالية أبو حمد بين أهلي الرباطاب درست الكتّاب والوسطى في بورتسودان والثانوية بعطبرة وطردت من الثانوي 1963م بسبب مظاهرة قدناها ضد نظام عبود وتأييداً لثورة الكنغو التي كان على رأسها لوممبا طردت وأنا ومعي آخرون، أكملت تعليم سنة دراسية أخرى في كلية الأحفاد بأم درمان، ولم أحز على أي شهادة جامعية، وأبواب الكلية الحربية والشرطة انغلقت في وجهوهنا، فاتجهت للتثقيف الذاتي، أنا في تلك الفترة وحتى في الأحفاد لم أعد أستطعم الدراسة المدرسية وما عدت أواصل أي حياة تعليمية وفي إمتحانات الشهادة الثانوية جلست لامتحان واحد فقط ولم أكمل باقي الإمتحانات بعدها في نهاية 1963م بدأت في التثقيف الذاتي والذي بدأ معي منذ فترة مدرسة عطبرة الثانوية، الوقت الذي كنت أقضية في مكتبة المدرسة كان أكثر من الوقت الذي كنت أقضيه في الدراسة أو في الداخلية، كان معروفاً أن مفتاح المكتبة عند محمد أبو القاسم حاج حمد .

بدايات التكوين

بعدها حدث إرتباط ببدايات الثورة الأريترية التي كان بها 13 جندياً في أرتيريا نهاية 1963م تلك الفترة تزامنت مع تحالف بين هيلا سلاسي وعبود، أُعتقل الأريتريون وطردت قياداتهم فوجدت نفسي حلقة وصل بين القيادات في الخارج وبين العسكريين المقاتلين في الدخل بحكم الأمر الواقع فتخصصت في تهريب الأسلحة واختلاس الأدوية من السلاح الطبي ومخازن الذخيرة التابعة للجيش وأهرِّبها إلى أريتريا كان مقرناً السري في السجانة وفي مخزن الدقيق لعلي السيد، إلى أن قامت ثورة أكتوبر.

بداية نضجي الفكري والسياسي كان في ثورة أكتوبر، كنت كثير التردد على الجامعة ومكتبتها وهذا ربطني بمجموعة من الطلاب الجامعيين حتى أعتقد البعض أنني طالب بجامعة الخرطوم لتواجدي كثيراً بمكتبة الجامعة.

وكل الأبحاث التي كنت أقوم بها كانت في مجال الفلسفة والتاريخ بحكم ارتباطي بالثورة الأريترية، وصدر عني أول مؤلف وأنا في عمر 22 سنة سميته الوجود القومي وطبعته مطبعة الزمان، وهو يجمع بين الرؤية القومية والتاريخية الفلسفية الأولية، والإهداء كان لاخواني في أرض الربيع الدائم هذا الإهداء مستمد من كتاب ألفه حاكم عام أريتري اسمه (كلفاسكي) يعتبر أريتريا أرض الربيع الدائم، لا يمكن أن أكتب أريتريا لوجود حكومة عبود لذلك كتبت أرض الربيع الدائم، طرحت فيه معالم الفكر القومي السوداني بموجبه تكونت أول حلقة في جامعة الخرطوم أسست النواة الأولى للحزب القومي السوداني وكانت مفاجأتي أن الحزب الشيوعي عقد إجتماعاً مهماً جداً لمناقشة أمر الحزب القومي السوداني، في البداية كانوا يعتقدون أنه حزب عنصري (نوبي أو جنوبي) ولكن كان به شماليون ويتحدثون عن القومية السودانية، الحزب كان يمثل جسراً بين السودان وأريتريا على أسس مبكرة للمفهوم السائد على كونفيدرالية القرن الأفريقي، إنزعج منه الشيوعيون لطرحه الإشتراكي، وانزعج منه القوميون العرب بكافة فصائلهم الناصريين والبعثيين بحكم طرحه للقومية السودانية وبدأ في معارك فكرية وهذه أنضجتني جداً، ولكن خلافات القيادات الأريترية بين بعضها وتمزق الداخل الاريتري جعلني أنا دائماً محور تلطيف للصراعات، الطف الصراعات في الداخل الثوري وأكون على علاقات مستمرة مع المبعوثين والسفراء، وأذكر في تلك الأيام إنتبه إلينا الإتحاد الوطني المغاربي الذي أسسه المهدي بن بركة إتحادي قوى الشعب المغربية العاملة وأوفد لنا أول ما أوفد الباهي محمد وكان أحد أميز الكتّاب وكان مسؤول صحيفة المجاهد الناطقة بلسان الثورة الجزائرية كأول محاولة للتعرف على ثورة السودان وثورة اريتريا وفي نفس الوقت بدأ إخواننا الثوار الأفارقة ومن مختلف المنظمات يأتون إلى السودان بعد ثورة أكتوبر ليتعرفوا على الثورة، ولا أريد تضخيم ذاتي ودوري وسط الجماهير لكن أعتقد أن البعض اكتشف إني لعبت دوراً مميزاً في الثورة والتحركات والمنشورات وتكوين جبهة الهيئات وتكريماً لي أُسند لي دوراً بعد تشكيل الحكومة فكان النضح مبكراً حين أقرأ تاريخ نفسي دون أنانية، هنالك وعي مبكر وإختلاط مبكر بقيادات مختلفة، مرت ثورة أكتوبر، بدأت في مرحلة إستكشاف الفكر القومي الثوري العربي وأبعاد الفكر الثوري القومي الأفريقي وكان على دراسة أفكار جومو كنياتا في كينيا وأفكار ميزي ريو وأفكار مودبيواكيتا وأفكار كوامي نيكروما وبنفس القدر أقرأ لاتحاد قوى الشعب العاملة والبعث والناصريين والحزب الإشتراكي في عدن، والذي كانت قياداته الأولى عبد الفتاح اسماعيل ومجموعته أحاول أن أتعرف ماذا يحمل الفكر الثوري العربي؟ وماذا يحمل الفكر الثوري الأفريقي؟ وأين أقع انا ويقع السودان من هذه التيارات المنعكسة عليه هذا عراك أضاف أبعاداً كثيرة فيما انطلقت به في كتاب الوجود القومي وأصبحت نظرتي أكثر إنفتاحاً على أفريقيا وعلى العرب من الحدود السودانية الضيقة ولكن لم أفقد البوصلتين، ظللت سوداني بوجه عربي وأفريقي ولكن لم تكن لي القدرة على توحيدهما جدلياً كهوية زمان ومكان وما كنت من النضج الفكري بحيث أجد منهجاً، إما مصالحة تلفيقية أو مصالحة منهجية، تطوري الفكري والمنهجي في ذلك الوقت لا يمكنني من مصالحة منهجية فكانت فقط مصالحة تلفيقية ولكن لم أفقد أبداً هذا التفاعل الإيجابي المستمر.

صراع الهوية

حدث الآتي إضطررت أمام نمو الثورة الأريترية وضعف الكادر فيها وبالذات كانت مستحكمة في المنطقة الغربية إضطررت أن أكلف بأدوار في المنطقة العربية على المستوى الإعلامي وعلى مستوى إيجاد علاقات مع العرب، هنا كان التعرض للمسيرة الكبرى طالما أنا بلسان عربي مبين عربي سوداني والعرب يدعمون أريتريا تعاطفاً في تلك البدايات وأنا في الساحة العربية ولديّ إنفتاحات سابقة بمختلف التجارب في الساحات السياسية والعربية أي الكل قد حاول إحتوائي، إذا قلت لهم انني لا زلت أمر بمرحلة قلق في تكوين الهوية ، فالحديث عن تكويني الأفريقي يثير إمتعاضهم وبالذات التصور للقومية العربية مفهومة على نسق أوروبية عنصرية وفيها شوفانية، وأذكر عندما كنت أذهب إلى المكتبات الإنجليزية في بيروت وأشتري أي كتاب لنهرو أو نكروما أو لوممبا هذا كان يثير كثيراً من إنزعاج الثوريين العرب الذين كانوا يتساؤلون عن هذه الكتب التي أقرأها ولكن كنت أحمل السودان في دواخلي وهؤلاء كانوا يمثلون بالنسبة لي جزءاً من سودانيتي فهذه لا يمكن أن يفهموها لي أنني سوداني أفريقي عربي فكنت في فترة مبكرة أكتشفت سلبيات الرؤية القومية العربية لدى مختلف الحركات العربية واستعصي على الإنتماء بتحايل شديد، الوحيدون الذين تقاربت معهم ليس البعث إنما حركة الإشتراكيين العرب في السودان، والتي كان من أبرز قياداتها بدر الدين مدثر ومحمد علي جادين كنت أكثر إنفعالاً مع هؤلاء لماذا؟ لأنّهم طرحوا الخط العربي التقدمي العام وهو خط لا يلتزم بأي تنظيم عربي محدد وإنما ينفتح على كل التجارب الثورية القومية العربية الإشتراكية ونفس الهوى الذي كان في نفسي منذ مقابلتي مع الباهي محمد ومجموعة بن بركة في المغرب ومجموعات حركات القوميين العرب والبعثيين يعني خط لم يكن يلزمني بقيد حزبي حين تخلوا هؤلاء عن الخط العربي التقدمي العام ومنظمات الإشتراكيين العرب تركتهم وبدأت أبني منذ ذلك الوقت بالمنهج الخاص الذي يلعب فيه كتاب الوجود القومي دائرة مركزية لأنّ انتمائي للغير ليس إغتراباً عن السودان لأكون ثورياً أفريقياً أو لأكون ثورياً عربياً، أنا إنتمائي للغير من خلال إنتمائي للسودانية أرى في الآخرين أبعاداً مكملة ولا أرى في الآخرين إستلاباً للذات السودانية لكن الفرق بين فكري المتأخر وفكر الوجود القومي هو أن الوجود القومي كان سودانية صرفة منغلقة والتطور الذي إكتسبته هو سودانية متفاعلة مع الأرجاء العربية والأفريقية، في هذا الأثناء وأنا أعمل كمسؤول في الثورة الأريترية في مختلف المجالات، مسؤول تخريج ضباط إحتياط في معسكر قلا لتخريج من هم دون ضباط الإحتياط والإشراف عليهم، مسؤول عن الإعلام في بيروت ، مسؤول عن علاقات سياسية، مسؤول عن جلب الأسلحة من قناة السويس عبر البحر الأحمر إلى الساحل الأريتري كل هذه المسؤوليات المركبة جعلتني سوّاحاً أسافر من منطقة إلى أخرى.

البحث العلمي وبداية الإنطلاق

كنت دائماً لصيق الصلة بالجامعات ومراكز الأبحاث والندوات، الكمية التي كنت أقرأها أكثر من البرامج المقررة على الطلاب

ويمكن أن أشاركهم في قراءاتهم هم أنفسهم حتى إكتسبت صفة الباحث العلمي الأكاديمي المتخصص بالذات في مجالات الفلسفة والتاريخ والعلوم السياسية والعلوم الإجتماعية ولهذه الفروع الأربعة ومن وقت مبكر بدأ كثيرون يطلقون عليّ إسم دكتور وأستاذ وفي إطار هذا التطور وجدت نفسي عضواً كبيراً من المجامع العلمية ومستشاراً للمعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن، وعضواً مشاركاً وباحثاً في العديد من المؤتمرات وبصعوبة كنت أسحب كلمة دكتور من قائمة المشاركين من الورقة المطبوعة لأرسلها لهم وأقول لهم إنّني لا أملك شهادة جامعية ويقولون هذا تواضع أنت أستاذ ودكتور.. وبدأت جهودي أحاضر في كثير من ندوات جامعة ماليزيا العالمية الإسلامية، أشترك في مؤتمرات المناهج كليات الشريعة، كليات التربية في الأردن، وكانت لدي نشاطات مكثفة بين شيكاغو وواشنطن في إعداد محاضرات في العديد من المسائل الفلسفية الشائكة بالنسبة للفكر الإسلامي، وبدأت مشروعي الأساسي للكتابة في 1975م قبلها كتبت عن (الوجود القومي للسودان) وكتبت كتاباً عن (الأبعاد الدولية لمعركة أريتريا) وهذه أول مرحلة لدخولي تعلم الفكر الأستراتيجي وكيفية التعامل معه والتعامل مع المتناقضات الإقليمية والدولية، ثم كتبت (الثورة والثورة المضادة في السودان) وكنت أريدها ثورة للخلاص من الطائفية، ولتحقيق المرحلة الوطنية الديمقراطية التي تعتمد على القوى الحديثة وكادر المثقفين وكان ذلك الطرح واضحاً في كتاب (الثورة و الثورة المضادة في السودان) الذي صدر عام 1970م ولهذا الكتاب قصة النقلة الفكرية التي عشتها لأنّه بعد ثورة 1964م الحزب الشيوعي السودان وضع مخططاً لتمزيق الوسط الذي يتكون من الختمية، الحزب الوطني الاتحادي وأنا تبنيت وحدة الوسط، وكتبت عدة مقالات حول أزمة الثورة السودانية، ضرورة وحدة الوسط، وهذه المقالات موجودة بكاملها في دار الوثائق السودانية، كنت أقول إنّ المرحلة ليست لقيادة اليسار الشيوعي وليست لقيادة اليمين المتمثل في حزب الأمة وإنّما هي لقيادة الوسط والمثقفين والقوة الإجتماعية الحديثة في جبهة عريقة وردّ عليّ عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني (رداً عنيفاً) في مقالات عن الثورة السودانية وأزمة الوسط موجودة أيضاً في دار الوثائق، هو رد علىّ في جريدة الميدان وأنا كتبت المقالات في جريدة الجماهير هذه مشار إليها في كتاب السودان في المجلد الأول لمن يريد الرجوع إلى نصوص تلك المقالات، فكنت أعيش أزمة الوسط داخل السودان وحين كتبت كتاب الثورة والثورة المضادة في السودان تمنيت أن تؤدي ثورة مايو إلى وحدة الوسط، وتبعد اليسار واليمين لا أن تتحالف مع اليسار ضد الوسط ومن هنا جاء خلافي عنيفاً مع الحقبة الشيوعية في فترة نميري الأول 69 - 1971م بالرغم من أن هذه الفترة كل الشيوعيين والقوميين العرب تحالفوا مع النميري أنا وقفت بمعزل عن التحالف مع نميري - وأدنت حتى ضرب الجزيرة أبا وأدنت العلاقات مع مصر من زاوية التبعية، فكان موقفي مع الوسط، ولكن بعد أن طردت مايو الحزب الشيوعي السوداني، في 1971م عدتُ وكتبت السودان بين مايو 1969م ويوليو 1971م أدنت تجربة اليسار وناديت مجدداً بوجود الوسط والقوى الإجتماعية الحديثة والمقالات نـشرت بأكملها في جريدة الأيام، وكان هنالك حوارات مع جعفر محمد علي بخيت رحمه الله.

رحلة الشك إلى بيروت

بعدها دخلت في مرحلة إعداد المشروع الرئيسي «العالمية الإسلامية الثانية».. «جدلية الغيب والإنسان والطبيعة».. لاحقت هذا المشروع انعزلت في إحدى جبال لبنان، أنا والجبل والخلوة والقراءة كانت مرحلة ولادة فكرية قاسية، الغوص في الفلسفة بشقيها الأوروبي والعربي، ورؤية التصوف مجموعات ما كتب عن السودان كل هذا الكم المتلائم من1975م اكتب واقرأ وأمزق حتى خرج كتاب جدلية الغيب والإنسان، والطبيعة عام 1979م الكتاب هو رؤية جدلية في علاقة الله مع الإنسان والكون وسأكشف الآن السر الأكبر الذي لم أكشفه من قبل لماذا كتبت هذا الكتاب كنت أجلس في شقة في بيروت في طابق أعلى مع صديقي حتــى الآن الجزائري عبد القادر بن صالح..

وقتها وأرجوا من كل سلفي ومتدين أن يستمع إلى هذا الكلام ليعرف أن ما أقوله الآن كان مصدر هداية ولكني سأقوله كما حدث، كنا مجموعة من الأصدقاء والمثقفين نجتمع في شقة عبد القادر بن صالح ونتسامر في شؤون الفكر والسياسة وعددهم كبير وقتها بدأ الجيش اللبناني والطيران اللبناني بقصف مخيمات اللاجئين، وكنت انظر إلى القصف، صرخات النساء، أطفال يحرقون إلى درجة التفحم ومن حولهم عمارات وأبنية حديثة ينظرون إليهم بالمنظار وتلك الظروف تعتلي في نفسي بالإضافة إلى موجات لجوء من أريتريا فبدأت أفكر «وأقولها بالطريقة التي كنت أفكر بها دون أن يكون هذا الحديث مصدر لاستفزاز ديني فلقد كان فاتحة هدي» كنت أقول منذ أن نشأنا نقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» وأن الله بيده كل شئ وأنه قادر على كل شئ، ولكن أما أنه غير موجود بهذه المواصفات، أمام المآسي التي تتعرض لها البشرية دائماً وإما أن يكون موجودا وأن هنالك خطأ ما في هذه الكتب الدينية لأنّه لا علاقة لها بهذا الواقع نهائياً ما هي علاقة «بسم الله الرحمن الرحيم» بهذه الجثة المتفحمة للأطفال وبهذا الفقر في العالم بآلاف اللاجئين من أريتريا إلى صحاري السودان، أنا بطبعي لا أعيش مع أي نفاق ديني أو أيدولوجي أو سياسي كنت في تلك اللحظة أكتشف في نفسي إيماناً عميقاً بوجود الله وهذا الإيمان لم يفارقني وظل يلازمني منذ وعيي والى اليوم، لكن كان هنالك شئ آخر أؤمن به وهو الذي أثار في تلك الإشكالية، إذ من أنه رحمت رحيم وأؤمن أنه مطلق القدرات، فإذاً أنا أؤمن به وما أراه لا رحمة فيه وما يمنعه من التدخل لا يخاف هذه المأساة وأنا العبد الصغير البسيط أهلك يومي ونهاري لأنقذ اللاجئين ولأنقذ هؤلاء الأطفال من ضرب القنابل فهل أنا أفضل من الله في السلوك الأخلاقي أم ماذا؟ كنت أرفض الصلاة حتى تحل هذه الإشكالية، أصلي لمن؟. قضية الآخرة لم تكن طرفاً في الأزمة فلقد كنت أؤمن بأن هناك آخرة وبعث ولكن علي أن أدخل الجنة باقتناع أو أدخل النار باقتناع وكنت مهيأ للحالتين إذا كانت قناعتي بأنني غير منسجم مع هذا الإله وكيف كان يمكنني اداء طقوس تعبدية مع تلك الإشكالية التي كونت أبو القاسم حاج حمد، فكان إن اعتزلت كل شئ وصعدت إلى الجبل في لبنان وكنت استمر في التفكير يومين متواصلين حتى أفقد القدرة على التفكر وعلى الأكل وعلى كل شئ ويأتي النوم وأنا جالس إلى كتاب أقرأه لم أكن حريصاً على الحمام، ولا على الأكل، ولم أكن كذلك حريصاً على تهذيب لحيتي ولا شعري، وكان البرد قارس ولكنني لم أكن أرتدي ملابس واقية منه، حتى جسدي لم أعد أشعر به لأنني كنت أمام خيار أي إله أنا مؤمن به، كانت بالنسبة لي قضية منهج ورؤية لهذا الكون، هذه نقطة جوهرية عندما يقال إنّ محمد يكتب كتبه الدينية وعبر من الشك إلى اليقين ليس صحيحاً إذا كانت الدين من خلال الإيمان وليس من خلال الشك كنت أرى أنّ المثل الدينية ووجود الله الذي أنا مقتنع به تمام الإقتناع حتى أستطيع أن أقول بكل وضوح إيمان يقيني عين اليقين نفسه ولكني غير مقتنع بما يحدث فأريد حلاً لهذه الإشكالية إشكالية استمرت أربع سنوات كأنّها أربعين سنة فبدأت أقرأ القرآن قراءة ناقد ورث النقد عن تلك الثقافة المتعمقة في الفلسفة الغربية والعربية التي غصت فيها كما قلت لكم طوال فترة خروجي من السودان في 1966م حين طردت القيادة الأريترية منه واضطررت أن أسافر إلى المناطق العربية واتصل بالجامعات والندوات وهذا الكم الهائل من الفلسفة النقدية والتحليلية والقراءة في مختلف الفلاسفة سواء كان في الحاضرات أو أنماط المعرفة بالتهام كامل، الذي كان يحفزني لذلك قضية أساسية جداً أكتشفها أحد الدكاترة فيما بعد، كنت أشعر بالفراغ وأني غير مؤسس فكان حضوري عميقاً وشاقاً لاتأسس وأعرف لم أت للمعرفة من أجل الشهادة ولم أت للمعرفة لأحسن درجاتي العملية ولم أت للمعرفة للاستزادة على أساس الوجود، كنت مع كل كتاب أبدأ من جديد فنوعية التراكم التي تكونت تراكم كمي نوعي يبني نفسه تدريجياً دخلت بهذا المخزون مرحلة الإشكالية كنت أسأل الله لماذا تلك الشجرة على بُعد 4 أمتار من تلك الشجرة وليس على بعد 60 متراً، إيمان يعتور في داخلي وتساؤل يبدو لبعض الناس في ظاهره كفر بواح، بهذا المخزون دخلت إلى عالم القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم) لماذا (بسم الله الرحمن الرحيم) (الحمد لله رب العالمين) على ماذا خلقنا هل إستشارنا في قضية أن يخلقنا ويجبرنا نحمده أم لا مع الإيمان به رب العالمين، أي عالمين لماذا ليس رب العالم؟ (ألم) لماذا الف لا ميم هل امامي طلاسم؟ في كتب التفسير تجد (اللهم أعلم بمراده) اذا كان اعلم بمراده يحتفظ به لنفسه لماذا يدخلنا في اشكالية أخرى يكتب (ألم) (غير المغضوب عليهم) لماذا خلقهم ليغضب عليهم (ولا الضالين) لماذا خلقهم وأضلهم وهو أقدر على هدايتهم وبعد ذلك تنتظره جهنم !!!.

ننتقل إلى سورة البقرة أذبحوا بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين لماذا هذه الأحاجي ونحن في هذه الإشكالية الضخمة ولماذا فاقع لونها ولماذا صفراء؟ لماذا هذا القرآن مبني بهذا الشكل، اضرب بعصاك البحر لماذا يضرب بعصاه البحر؟ ولماذا هذه الهجرة في الصحراء؟ ولماذا المن والسلوى ثم ادخلوا الأرض التي كتب الله لكم، احتلال لأراضي الكنعانيون الذين قالوا له أن فيها قوماً جبّارين، ولماذا طرد الناس من بلادهم يعني أن الوجود اليهودي في المنطقة مبني على طرد قوم آخرين، إذاً ما الفرق بين القرآن والنازية والفاشية واستمريت في القراءات سليمان سخرنا له الجن - قبل أن يرتد إليك طرفك، ما هي القضية العلمية الجوهرية في هذا؟، أقرأ في كتب التفسير كيف كان السجود لآدم وأمر الملائكة للسجود ولماذا خلقه؟، لن تعلو شئ إلاّ إذا أراد الله - أي نحن مجردون من الإرادة، وقرأت للمعتزلة وكتب الفلسفة الإسلامية الجبر والإختيار (عملية توفيقية)، والطفل الذي احترق في المخيم الفلسطيني ما ذنبه؟، وهو الذي لم يصل إلى درجة معرفة الوضوء، وعرب لديهم مليارات وآخرون لا يجدون ما يأكلون، وكنا نقول بعقلنا البسيط لماذا وضع الله كل ثروته في الجزيرة العربية؟ وهناك مجاعات في افريقيا والهند وبنغلاديش واوليس اولئك مسلمين ايضا؟، وآية أخرى (ابني اني اري في المنام اني اذبحك) وفي آيات يطالب بالمحبة للاولاد وعدم إزائهم كيف يطلب من إبراهيم ذبح ابنه؟ هذه مسائل عجيبة!!!، وحاولت قراءاة كل الكتب الناقدة للانجيل والتوراة لانظر إليها بعد ان ستعصي علي الاسلام وفهمه لأرى ماذا يفعل اليهود والنصارى وهل المصيبة جامعة أم نحن وحدنا فيها؟.

فاليهودية ترى أن الدعارةالحقيقة للانسان اذا نظر إلى زوجة غيره، والنقد الضعيف أن هذا ابن يوسف النجار كان يختلي بمريم !!! إنتقلت بالدراسة الي ديانات أخرى أي بمعني اخر الدراسات المقارنة اعوذ برب الفلق وما خلق ومن غاسق اذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد اذا حسد، هل نرجع إلى مسألة السحر ونحن في القرن العشرين؟.

مرحلة التوحد مع الله

ايماني يقني بالله برحمته بقدرته المطلقة عبر تسآولات باشكاليات ضخمة حول كل المطروح دينيا ليس على مستوى الاسلام لكن حتى حل مستوي الديانات الاخري حاولت حل الازمة عبر كل القراءات الاسلامية وغير الاسلامية لكن كانت عندي مشكلة واحدة الحلول موجودة لكن ليس الحلول المقبولة لي، في هذا الاثناء غصت في قضايا الفقه شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، الرجل يتزوج اربعة نساء ولماذا لا تتزوج المرآءة اربعة رجال؟ فضايا وتصريحات لا يمكن أن اسردها لأنها معاناة أربعة سنوات حتى جاء يوم من الأيام أحسست فيه برغبة في الصلاة وكل تلك القضايا سكتت فجأة إغتسلت وتوضأت وصليت ونمت بعدها لمدة 36 ساعة كنت في رغبة قوية في الصلاة أكثرمن أي رغبة في الأكل والشرب وفي اليوم الثاني اغتسلت وتوضأت واقبلت علي المصحف بنفسية مختلفة ليس بالنفسية الأولى ولا اعرف كيف اشرحها هذا هو الذي حصل انقبضت في صورة الكهف عند قصة العبد الصالح، تدريجيا حدثت مؤثرات عكسية وفلسفية في بعد غيبي لا علاقة لها بالواقع الموضوعي المحيط الذي انا فيه، ونمت القران بيدي، اشياء تتكشف، اشكاليات تتفكك، دخلت في غيبوبه رؤى حتى ظنت انني أصبت بنوع من المس وتحولت إلى عالم مجنون، وبدأت أشك في نفسي وأن الطاقة نفدت، كنت أعاني إشكالية مع فكر ابن تيمية في الفقة واود ان اعبر تعبير دقيق لان هذاالحديث مسجل للتاريخ حاورت احدهم في رؤية منامية حول كتاب يسمي البراهين الساطعة للشيخ القضاعي ولاعلم لي به ولا بالشيخ القضاعي، سألت أحد مشائخ الازهر هل تعرف الشيخ الفضاعي؟ فاجاب نعم فسألت أين أجده؟ فقال لقد توفي رحمه الله، فسألته هل لديه كتاب يسمي البراهين الساطعة ؟، فسألني من أين عرفت هذا الكتاب فقليل من الناس يعرفونه الا المتطلعين في شؤون فقه وفكرالشيخ سلامة العزامي القضاعي، وكتابه البراهين الساطعة وكان من اولياء الله الصالحين.

حسن الخاتمة 

هذا الكتاب الفه سنة 1946م وفيه رد على فقه ابن تيمية وكان هذا مرشد ومقدمة وانحلت الاشكالية باكملها وأمسكت القلم لكتابة جدلية الغيب والانسان والطبيعة لاحظ اسم الكتاب ليس (الله والانسان والكون) بل (الغيب والانسان والطبيعة) وهي عوالم ثلاث في ترابطها وتفاعلها، وغصت وتفككت الاشكالية وبدل المشادة في حكمة الله الاولى بدأت التقرب لفهم الحكمة (لماذا تبعد هذه الشجرة عن تلك 4 امتار) وقصة إسرائيل والهجرة والنفط، كل هذه الشبكة بدأت تتراجع ولا يرجع ذلك لعبقرية ذاتية تختص بمحمد ابو القاسم ولا يرجع للاستفادة العلمية لنقل أن ما قلت للعناية لالهية لحد كبير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق