مدينة شبرا الخيمة .. قلعة الصناعة المصرية

يثير اسم شبرا الخيمة في اذهان اغلبنا صورة لغابة كثيفة من البيوت الخرسانية المتلاصقة تختلط شوارعها ببقايا افدنة خضراء حملت يوما ما الخير للقاهرة العاصمة ... عمران غير رسمي عالق بين المدنية والريف وفي الحالتين  في ادنى معاييره الانسانية . ارصفة يفترشها باعة تزخر عرباتهم بالمنتجات الصينية الرخيصة امام جدران كابية لمصانع معطلة وورش تنتج ما لا يشتريه احد . ملجأ من ضاقت به مساكن القاهرة القديمة وعصت عليه تجمعات مدنها الجديدة .. الكثير والكثير من الزحام والضوضاء ..شبرا الخيمة كما نعرفها اليوم  بقعة على اطراف العاصمة لا تحظى بأقل حظ من خدماتها في الوقت الذي تحتوي فيه عبء ما يقرب من ربع سكان القاهرة .... هي المدينة التي لا يرى البعض فيها سوى وصمة على جبين العاصمة ووكرا للعشوائية والتلوث .. بينما يرى البعض الآخر- جزءا من حقيقتها - اطلال لإحدى قلاع الصناعة المصرية .. وربما يكون من الصعوبة الشديدة على الكثيرين  منا اليوم ان يستوضح حقيقة مدينة شبرا الخيمة نظرا لما شهدته تلك المدينة من تحولات بين نقيضين ، مما طمس الكثير من معالمها الاصلية.. الا اننا نستطيع ان نتبين طريقنا عبر تاريخ شبرا الخيمة الحديث مسترشدين ببعض العلامات التي لم يستطيع الزمن ان يمحوها .. او ربما بقيت عمدا لتروي لنا قصة شبرا الخيمة .. المدينة الصناعية التي حلمت بها مصر الناصرية وواحدة من البصمات الرمادية التي خلفها عصر الانفتاح والرأسمالية على مجتمعنا المصري ..



مقدمة عن مصر الصناعية ..

ظلت مكانة الصناعة في الاقتصاد المصري محدودة للغاية وقاصرة على صناعات التجهيزات الاوليه للقطن ( غزل وحلج القطن ) بهدف تصديره .... وكانت الاستثمارات في الصناعة محتكرة تقريبا من قبل رأس المال الاجنبي . حتى بدايات القرن العشرين عندما شهدت مصر في الفترة مابين الحربين العالمية الاولى والثانية ثلاثة ظروف محورية هيئت المناخ في مصر لطفرة صناعية هي..
1.  ازمة التصدير وما عانت منه مصر من تدهور ملحوظ في معدلات تبادلها التجاري خلال سنوات الكساد الاقتصادي العالمي 1920-1932 ولم تنتعش بعده الا في الاربعينات ..
2.  ظهور المشروعات القومية وزيادة مشاركة رأس المال الوطني حيث انشئت 17 شركة مساهمة في الفترة بين 1914 -1933 اهمها مجموعة شركات بنك مصر الذي بلغت حصته 45%من رأس المال  الوطني المستثمر في الصناعة في تلك الفترة ..
3.  اصلاح التعريفة الجمركية .. حيث ادى التغيير في سياسة الحكومة المصرية تجاه الصناعة المحلية الى تشجيع المستثمرين على اقتحام الصناعة .. [i]
تلك العوامل الثلاثة احدثت تحولا كبيرا في توجه مصر الاقتصادي نحو التصنيع بهدف انتاج بدائل محلية لبعض الواردات وفي محاولة لتدشين الاستقلال الاقتصادي لمصر .. وفي تلك الفترة كانت صناعة الغزل والنسيج هي البطل في عملية التحول نحو التصنيع نظرا لغزارة وتميز الانتاج الزراعي من القطن المصري( مثل القطن المصري 93% من صادرات مصر في تلك الفترة ) .وكذلك لوجود محاولات سابقة لتصنيع الغزل والنسيج في مصر. وبدأت باكورة المصانع والشركات برأس مال اجنبي وحراك وطني مميز لمجموعة شركات بنك مصر.. ومع بداية الخمسينات كان لمصر الناصرية رؤية اقتصادية اكثرعمقا لتحويل الصناعة الى واحد من اهم اعمدة الاقتصاد المصري وذلك للوصول الى تحقيق الاستقلال الاقتصادي التام . 
وفي رؤيته لمستقبل مصر في ظل التحولات العالمية في الفترة التي تلت ثورة يوليو يصف المفكر المصري جمال حمدان حتمية توجه مصر نحو التصنيع بأنه : " لقد كان من المنطق والمنطلق بالدقة ان اتجهت ثورة يوليو بكل اصرار ووعي الى التصنيع والصناعه ليس فقط كضرورة بنائية لمصر الجديدة ، ولكن كضرورة بقائية ، وكذلك ايضا على اساس ان الاستقلال الحقيقي في هذا العصر انما هو الاستقلال الاقتصادي ، وجوهر الاستقلال الاقتصادي هو الاستقلال الصناعي [ii]" وهو الامر التي كانت مصر الثورة على وعي تام به وبأبعاده وعلى وعي ايضا بفعالية الاستقلال الاقتصادي واهميته في تحقيق الاستقلال السياسي ودوره في منح جميع المصريين فرصا متساوية في حياة كريمة  ..
وجاءت نتائج هذا الوعي في تلك الخطوات العملاقة التي خطتها مصر في مجال التصنيع في الفترة من 1952 الى 1970 بدأت بانشاء مجلس الانتاج القومي في ديسمبر 1952 لرسم السياسة الانتاجية ومباشرة تنفيذها بواسطة الدولة او الشركات الصناعية والانتاجية .. وفي سنة 1957 وضعت خطة للتصنيع هي اول خطة محددة المعالم - وضعها الدكتور عزيزصدقي اول وزير صناعة في مصر - وقد بلغت الاعتمادات التي خصصت لها  230 مليون جنيه .. وفي عام 1958 صدر قانون تنظيم الصناعة وتشجيعها ، وبناءا عليه وضعت الخطة الخمسية الاولى(1960-65) التي بدأت عام 1960 وخصصت للصناعة 434 مليونا من الجنيهات تستخدم في التوسع في مشروعات الصناعات الاستهلاكية وطائفة من الصناعات الاساسية ( وذلك للتغلب على حقيقة ان 50% من اجمالي الدخل القومي حين ذاك كان ينفق على استيراد احتياجات استهلاكية يمكن تصنيعها محليا ) .. ثم الخطة الخمسية الثانية (1965-70)والتي تقدر تكاليفها بحوالي الالف مليون ستخصص للصناعات الثقيلة بوصفها هي ضمان استمرار الصناعة في اي بلد من البلاد .. وهكذا قضت مصر قرابة عقدين من الزمان مكرسة كافة طاقاتها ومواردها وسياساتها لتنفيذ تلك الخطة الصناعية الطموحة حمل خلالها المصريين الكثير من الشعارات الحالمة بمستقبل مصرالصناعي مثل الشعار الشهير : نبني كل يوم مصنع ..
 ونجح المصريين وقتها في تحقيق احلامهم بداية من صرح مصر العملاق : السد العالي الذي كان انشاؤه هو الخطوة الاولى في تحقيق باقي احلام مصر الصناعية ونواة النهضة الصناعية الكبرى التي حققها لمصريين في تلك الفترة .. هذا فضلا عن توجيه جهودهم للارتقاء بالصناعات القائمة بالتوازي مع انشاء صناعات جديدة .. وهكذا .. لقد نجحت مصر الناصرية في تحطيم اسطورة قدر مصر الزراعي ، واستطاعت في السنوات العشر الاولى للثورة مضاعفة الانتاج الصناعي مرتين . فقد ارتفعت الارقام القياسية للانتاج في المصانع بنسبة 383% من 1952 الى 1960 وتضاعف عدد العاملين بالصناعة اكثر من ثلاث اضعاف ونصف ( من 350الف الى 1.2 مليون ) وزاد نصيب الصناعة في الناتج المحلي الاجمالي من 9 الى 22 % وزاد انتاج الكهرباء 800 بالمائة ..[iii] وكان واحد من اهم اهداف الثورة عدالة التوزيع .. فعمدت من يومها الاول الى انشاء مستوطنات ومراكز صناعية في كل ارجاء المحروسة تتنوع في انشطتها واحجامها طبقا لموارد وامكانيات كل بقعة من بقاع الوطن وتتكامل فيما بينها لتصب جميعها لصالح دعم الاقتصاد الوطني .. فكان" مجمع الصناعات الكيماوية والاسمدة باسوان ومدينته السكنيه  – مجمع صناعات الالومنيوم بنجع حمادي ومدينته السكنية – مجمع صناعات الغزل والنسيج بكفر الدوار – مجمع صناعات الحديد والصلب بحلوان ومدينته السكنية بالتبين – مجمع مصانع تكرير البترول بالسويس ومدينته السكنية.. كما عملت حكومة الثورة على الاهتمام والتنمية للمدن الصناعية القائمة او المدن التي بدأ بها استيطان نسبي للصناعة ولكنها تملك المقومات اللازمة لتحولها الى مركز صناعي هام مثل مدينة شبرا الخيمة ..

شبرا الخيمة .. مستوطنة صناعة وطنية ..

حتى بداية القرن العشرين كانت شبرا الخيمة مجرد منطقة زراعية توفر الكثير من المحاصيل الزراعية لمدينة القاهرة ومن اهمها القطن والقمح .. الا انها كانت من اوائل المدن التي انطلقت مع مصر في مسيرتها نحو التصنيع  .. وذلك لتوافر العديد من مقومات توطن الصناعة عموما وصناعة الغزل والنسيج بوجه خاص مثل ..
1.  مركزية موقعها الاستراتيجي بالنسبة للقاهرة العاصمة مركز ادارة الاعمال في مصر وكذلك قربها من مناطق زراعة القطن بل ان شبرا الخيمة نفسها كانت مركزا لصناعة القطن  ..
2.  وفرة الايدي العاملة شبه المدربة حيث ان للمدينة تاريخ في صناعة النسيج والصباغة وغيرها الذي طالما كان يتم بصورة يدوية من خلال ورش صغيرة في شبرا الخيمة وغيرها من المدن المصرية
3.  قربها من العديد من  المجارى المائي حيث تمتد ترعة الاسماعيلية في الجنوب والشرق وتخترق المنطقة ترعتان _ ترعة ابو المنجا وترعة الشرقاوية بجانب الترعة البولاقية وترعة بيجام والنصراني والتي كانت حتى عام 1945 تستخدم في النقل مما ادى الى توطن الصناعات مثل انشاء السفن النيلية واصلاح الكراكات وصناعة الاواني الفخارية والطوب الاحمر اعتمادا على وفرة الطمي بتلك المجاري المائية وبعد اقامة مصانع الغزل والنسيج والصباغة والصناعات الكيماوية وخاصة على المصارف التي تم انشاءها ( مصرف مسطرد – مصرف بيجام – مصرف شبين القناطر ) واستمرت المجاري المائية في جذب الصناعات حتى بعد تطبيق سياسة التصنيع عام 1957 واتخذ العمران الصناعي محاور توازي هذه الترع وبعد 1965 حلت الشوارع محل الترع وتحولت بعض المصارف من صرف زراعي الى صرف صناعي وامتد العمران الصناعي على جانبي ترعة الاسماعيلية ..
4.  خطوط السكة الحديد المارة بشبرا الخيمة منذ 1856 والتي ساعدت على تركز الكثير من الصناعات بجوار خطوط السكة الحديد هي صناعات الغزل والنسيج وصناعات المعدات والمنتجات المعدنية ..
5.  توافر الطرق البرية حيث يخترق طريق مصر اسكندرية الزراعي المنطقة وكذلك يمر بحدود المنطقة طريق القاهرة بورسعيد الزراعي والذي يتوطن عليه اضخم المناطق الموجودة بالمنطقة
6.  توافرالكهرباء كمصدر للطاقة والذي كان قاصرا في بدايات القرن على القاهرة والاسكندرية ومحدود الاستعمالات وتم تطويره وتشغيله في المجال الصناعي بمرور الوقت وخاصة بعد انشاء السد العالي وبناء محطات التوليد المائية والتي تلاها توحيد مستوى الطاقة الكهربائية على مستوى الجمهورية وانشاء الكثير من محطات التوزيع و مد خطوط كهرباء الضغط العالي التي تخترق شبرا الخيمه وانشاء محطة كهرباء شمال القاهرة بالاضافة الى وجود محطة انتاج الكهرباء على نهر النيل بغرب المنطقة مما ترك اثرا كبيرا في تركز الانشطة الصناعية بالقرب من مسارات تلك الخطوط ..
7.    هذا بالاضافة الى وجود محطتين للمياه على ترعة الاسماعيلية وعلى طريق القاهرة الاسكندرية الزراعي [iv]
وهكذا بدأت المدينة خطواتها الاولى نحو التصنيع..عندما تأسست بشبرا الخيمة  اقدم مستوطناتها الصناعية وهي منطقة نوبار باشا التي كانت في الاصل منطقة زراعية حتى عام 1920 عندما بدأ تأسيس مصانع صغيرة في منطقة المسكاة حاليا بشارع المصانع وتطور الامر خلال الثلاثينات والاربعينات حيث قام الاجانب بانشاء عدد من المصانع الكبيرة مما احدث نقطة جذب للهجرة الداخلية الى شبرا الخيمة للعمل بتلك المصانع .. ثم بزغت شبرا الخيمة في الثلاثينات كمنطقة جذب لصناعة النسيج، لقربها من القاهرة من ناحية ولضعف الأجور بها بسبب طبيعتها الريفية من ناحية أخرى، وأيضًا بسبب أنها كانت محاطة بالعديد من ورش النسيج اليدوي. ومع نهاية عام 1937 وصل عدد مصانع النسيج في شبرا الخيمة إلى عشرة مصانع، ووصل تعداد سكانها إلى ربع مليون نسمة، ووصل عدد العاملين في الصناعة إلى حوالي 20،000 عامل من بينهم 9،000 يعملون في صناعة النسيج.. ومن أهم المصانع التي كانت مملوكة لأجانب هناك وقتها : مصنع سباهي، مصنع بسوء القاهرة للمنسوجات الحريرية، فرانسو – المحلات الصناعية للحرير والقطن (شركة إسكو)، مصنع بوليتكس (شركة وولتكس الآن) وتأسست كذلك بعض الصناعات الاخرى مثل شركة الدلتا للصلب1947 وشركة الدلتا الصناعية (ايديال) وشركة النشا والجولوكوز 1942. وبعض هذه الصناعات كانت الوحيدة من نوعها في مصر ..
الا ان كل هذا النمو الصناعي كان مع اهميته التمهيد الاول للطفرة الصناعية الحقيقة التي شهدتها مصر بشكل عام ومدينة شبرا الخيمة بشكل خاص في الفترة الناصرية ..
فقد كان من نصيب القاهرة الكبرى عاصمة مصر الصناعية ان حظيت باثنتان من اكبر واهم المستوطنات الصناعية بمصر " حلوان مركزا للصناعات الثقيلة في جنوب القاهرة ، وشبرا الخيمة مركزا لصناعات النسيج والصناعات الخفيفة والاستهلاكية في الشمال .. وجدير بالذكر ان اختيار موقع شبرا الخيمة للمركز الصناعي بشمال القاهرة جاء مبنيا على ما سبق ذكره من مقومات لقيام صناعة قوية بالمنطقة وان اختيار صناعة النسيج والصناعات الخفيفة جاء نتيجة للوضع القائم بالفعل في المدينة بالاضافة الى الحاجة الى مجالات تستوعب اكبر عدد ممكن من الايدي العاملة الموجودة بالقاهرة الكبرى مثل صناعة الغزل و النسيج والتي تمثل 25% من الانتاج الصناعي المحلي وتعتبر ثاني اكبر قطاع صناعي في مصر بعد صناعة الاغذية وتمثل ايضا اكبر صناعة من حيث استيعاب الايدي العاملة حيث ان نسبة 26% من الايدي العاملة الصناعية تعمل بالغزل والنسيج .. وهو ماتحقق في ظل  الناصرية حيث احتلت شبرا الخيمة المركز الثالث على مستوى الجمهورية من عدد العمال المشتغلين بالصناعة عموما.. ويمكن القول ان تحويل اي مدينة مصرية بشكل عام ومدينة شبرا الخيمة بشكل خاص الى مستوطنة صناعية وطنية تم من خلال ثلاث محاور رئيسية ..
1.    تدخل الدولة في القطاع الصناعي ..
حتى 1952 اقتصر دور الدولة في الاقتصاد على مشاريع المرافق العامة واغلبها مشاريع الري وتحكم القطاع الخاص فيما يزيد عن 85%من الانشطة الاقتصادية المصرية .. وحاولت حكومة ثورة يوليو في بداية الامر ايجاد نوع من التوازن بين دور القطاع العام والخاص في تنمية الاقتصاد المصري عامة والقطاع الصناعي بوجه خاص .. فاتخذت الكثير من الاجراءات لتشجيع الصناعة مثل تخفيض معدلات الضرائب على الانتاج الصناعي وزيادة التعريفه الجمركية على السلع المستورده وقف استيراد بعض السلع لتشجيع المنتج المحلي  وتوفير المرافق والعوامل المشجعة على الاستثمار في مجال الصناعة .وكذلك مشاركة القطاع العام كمستثمر بانشاء المصانع وكان نصيب شبرا الخيمة منها كبير مثل.. مصنع الجوت 1956 ومصانع الكابلات الكهربائية1954 . شركة الخزف والصيني 1955 ، مصنع مواسير الصرف الخرسانية 1961(سيجوارت حاليا ) الا ان تعارض تلك المحاولات مع مصالح رأس المال الاجنبي المسيطر في تلك الفترة دفع الدولة لاتخاذ اجراءات اكثر حسما لدفع بناء الاقتصاد المصري الوطني وتم ذلك على مرحلتين الاولى اقتضت تمصير رأس المال الاجنبي ودخول الدولة شريك مساهم له الاغلبية الكبرى في كافة الشركات المملوكة للاجانب والثانية بتأميم تلك الشركات والمصانع وتحويلها لملكية عامة وبين عامي 1960-1962، جري تأميم غالبية شركات ومصانع الغزل والنسيج باستثناء تلك التي لا يزيد بها عدد العمالة عن 200 عامل ..جدير بالذكر ان الوجود القوي شبه المسيطر للدولة على القطاع الصناعي لم يلغي القطاع الخاص المصري فقد نشأت في ظلال تلك السيطرة الكثير من مصانع القطاع الخاص واستطاعت في ظل حماية الدولة وتشجيعها ان تشق طريقها و لعل اشهرها بالنسبة لمدينة شبرا الخيمة هو مصنع كريستال عصفورالذي تأسس عام 1961 و يحتل الآن مكانه هامة على مستوى الشرق الاوسط في تصنيع الكريستال..

2.   
تحسين احوال العمال ..

جرى في تلك الفترة اكثير من التعديلات من اجل منح العمال المزيد من الحقوق المتمثلة في عقد العمل الأبدي والعلاج المجاني وتخفيض ساعات العمل، والارتفاع  الدوري في الأجور، وغيرها. و تأسيس الاتحاد العام لعمال مصر، الذي تأسس عام 1957، والنقابات التابعة له و احتفظ عمال الغزل والنسيج خلال الخمسينيات بوضع القطاع الأهم في الطبقة العاملة المصرية. وفي عام 1960، بلغ نصيب عمال الغزل والنسيج إلى إجمالي عمال الصناعة 52.4%، وهي أعلى نسبة وصل إليها عمال هذا القطاع في تاريخهم،.وبلغ عدد العاملين بالصناعة في شبرا الخيمة وقتها 28%من سكان المدينة ...
3.    تنمية عمران المدينة
من خلال نظرة مستقبلية لتوطن الصناعة في شبرا الخيمة كانت حتمية تنظيم النمو العمراني للمنطقة والعمل على توفير بيئة عمرانية متوازنة داخل المدينة الصناعية مع مراعاة الحفاظ على حجم النشاط الزراعي القائم بالمنطقة والذي يعتبر واحد من مقومات الصناعة بها .. وهو الامر الذي تحقق من خلال العديد من الاجراءات التي اتخذتها الدولة وكان اهمها الزام كافة شركات ومصانع القطاع العام في شبرا الخيمة – وغيرها – بتوفير المدن السكنية اللازمة لسكنى العمال والموظفين فأنشأت في تلك الفترة  مساكن شركة الجوت على مساحة  4.2 فدان والتي وفرت عدد 220 وحدة سكنية متفاوتة المستويات  بكثافة 261 فرد فدان ، 15% مساحات مفتوحة  .. مساكن شركة الخزف والصيني على مساحة  22.4 فدان والتي وفرت 920  وحدة 55%مناطق مفتوحة - ومساكن شركة الدلتا للصلب وغيرها من مشاريع الاسكان الصناعي . هذا بالاضافة الى اصدار قرار في مايو 1964 بتخصيص 10%من ارباح الشركات المساهمة الواقعة داخل كردون المدينة لمدة 4 سنوات من 60-63 لصرفها على خدمات المنطقة وعليه فقد تم البدء في الدراسات اللازمة لتطوير المنطقة بازالة الورش والمصانع المتهدمة بمنطقة معتوق بأكملها والتي كانت تفتقر للكثير من الشروط الصحية وقواعد الامن الصناعي وقامت وزارة الاسكان ببناء 690 وحدة سكنية مكانها كما قامت الوزارة ببناء 840 وحدة سكنية اخرى بنوبار على ارض مملوكة لمجلس المدينة ..
وكجزء من الرؤية العامة للمخطط القاهرة الكبرى تم تكليف المهندس عبد الرحمن مخلوف استاذ تخطيط المدن بجامعة القاهرة باعداد تخطيط ابتدائي عام لشبرا الخيمة عام 1966 وتم تعديل المخطط في بداية السبعينات بعد انشاء الهيئة العامة للتخطيط ليستوعب الطفرة السكانية الحادثة في شبرا الخيمة وتوفير امتداد اكبر لمنطقة المصانع القائمة بالمدينة مع الحفاظ على الرقعة الزراعية القائمة بالمنطقة ..
وقد جرى التطبيق الفعلي لتلك المحاور بالنسبة لشبرا الخيمة .. ازدهرت فيها الصناعة وارتفع دخل العمال ولم تعاني من اي مشاكل عمرانية تذكر بل وحافظت على نسبة الرقعة الزراعية الموجودة بها – التي ظلت تمثل اكثر من 60% من مساحة المدينة حتى بداية السبعينات ) وكذلك الامر بالنسبة للكثير من المدن والمراكز الصناعية في مصر.. فقد نجحت مصر في تحقيق 100% من المستهدف من خطة التصنيع الاولى 1960-1965 ودشنت البدء في الخطة الثانية 65-70 حتى في ظل نكسة يونيو ودخول مصر معارك الاستنزاف ، فلم يتوقف العمل في استكمال خطة التصنيع الثانية وكان شعار المصريين وقتها : يد تبني ويد تحمل السلاح .. وعاشت مصر حالة ثورية من الكفاح الوطني في كل المجالات حتى بداية السبعينات عندما تحولت الحياة في مصر الى اتجاه اخر..

شبرا الخيمة في عصرالانفتاح الاقتصادي و الخصخصة ..


شهدت العقود الثلاثة التالية للفترة الناصرية تحولات جذرية في الاقتصاد المصري حولته من اقتصاد منتج مستقل الى اقتصاد تابع مما القى بظلال شديدة القتامة على قطاع الصناعة . وقد بدأت هذه التحولات بالفعل في منتصف السبعينيات، حينما أُقر قانون رأس المال العربي والأجنبي المعروف بقانون الانفتاح عام 1974.الذي غير توجه الدولة من الاشتراكية الى الرأسمالية.. تراجع خلاله القطاع العام ووجهت الدولة كل طاقاتها لتشجيع رأس المال الخاص وتنمية الاموال الصغيرة والترحيب بالاستثمارات الاجنبية ،ويمكن القول ان مرحلة الانفتاح الاقتصادي كانت المسمار الاول في نعش الصناعة المصرية حيث نجد ذلك في ..
1.    انسحاب الدولة من دعم القطاع العام
انعكست تماما رؤية الدولة حول دورها في الاقتصاد الوطني حيث بدأت في ظل قوانين الانفتاح في تشجيع استعادة رأس المال الخاص لسيطرته على الاقتصاد مرة اخرى تلاها قانون قطاع الأعمال العام لسنة 1991 لتوسيع الاستقلال المالي والإداري للقطاع العام  تمهيداً لخصخصته .و تم فيه فصل موازنة القطاع العام عن الموازنة العامة للدولة، وتقرر عدم السماح بالدعم الصريح أو الضمني لشركات قطاع الأعمال، التي لم يعد أمامها لمواصلة نشاطها سوي الاقتراض من البنوك ، مما أدى إلى تراكم المديونيات. وفي نفس الوقت بدأ تنفيذ برنامج الخصخصة. وخلال الفترة من 1993 وحتي 1996 تم بيع 127 شركة فقط، بينها 40 بيعت لاتحاد العاملين المساهمين. ويرجع هذا البطء في مسار عملية الخصخصة إلى ضخامة العمالة الموجودة بالقطاع العام. ومن ثم كان لابد من التخلص من العمالة ، وتم تقليص العمالة في القطاع العام، ليخرج في خلال 10 اعوام اكثر من 60% من عدد عمال وموظفي القطاع العام . وتسارعت وتيرة الخصخصة بفعل هذه الإجراءات. فقد تم بيع 1174 شركة خلال الفترة من 1997 حتي 2002.  من ناحية أخرى، جاء تحرير تجارة القطن ليوجه ضربة موجعة لصناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهرة.بالاضافة الى إنه في ظل الارتفاع المتواصل في أسعار الطاقة الكهربائية والبترول ، وارتفاع الأعباء الضريبية ، تزايدت الأعباء المفروضة على شركات قطاع الأعمال العام .كانت نتيجة هذه السياسات انخفاض النصيب النسبي لشركات القطاع العام في انتاج الغزل والنسيج والمــلابس الجاهزة امام شركات القطاع الخاص .. مما ادى الى انخفاض معدل الانتاج والتصدير بوجه عام .. وبالطبع فان أزمة الاقتصاد الرأسمالي في مصر انعكست على القطاع الصناعي ونال شبرا الخيمة قسط وفير من ذلك وبالتحديد في قطاع النسيج. وصلت خسائر شركة إسكو إلى 120 مليون جنيه عام 96 وخسائر شركة وولتكس إلى 54 مليون جنيه، بينما لم تزد الأرباح في شركة الدلتا للصلب عن 181 ألف جنيه. وتوقفت مصانع نسيج عديدة بسبب عدم توافر خام الغزول، وأصبحت هناك شركات عديدة تقوم ببيع أراضي أو وحدات تابعة لها لتغطية مديونيتها أو لصرف أجور العمال، كما حدث لناروبين وولتكس والنشا والجولوكوز.  وتحول العمال اللذين تم صرفهم من مصانع القطاع العام الى انشاء ورش صغيرة وتأسيس منشأت صناعية خاصة متفاوتة الاحجام ضعيفة التقنية مما ادى الى تفتيت الانتاج الصناعي لتلك الاعداد الكبيرة من العمال وتدني جودته.. وفي الثمانينات حدث لشبرا الخيمة طفرة كمية حيث تم انشاء ما يزيد عن 20000 منشأة صناعية متفاوتة الاحجام في شبرا الخيمة يعمل بها ما يزيد عن 50000عامل .. هذا مع الاخذ في الاعتبار وجود رقم هائل من المؤسسات الصناعية الصغيرة والورش غير المرخصة وغير رسمية بالمنطقة تعمل معظمها دون معايير الجودة والسلامة المهنية ، ونظرا لانسحاب الدولة من مجال الدعم المادي لتلك المؤسسات الصغيرة فان اعباءها اكثر من ان تتحمل توفيرالتدريب المهني والتطوير التقني لتصبح قادرة على  الوفاء باحتياجات السوق المحلي او منافسة المنتجات المستوردة مما يزيد من اعباءها المادية ويجعل حتمية انسحابها من سوق العمل والانتاج حقيقة واضحة .. وفي ظل ارتفاع سعر القطن، وصعوبة توفير رأس المال اللازم للتطوير، وتراكم مديونيات  المصانع، وارتفاع الأعباء الضريبية كما سبق إيضاحه، أصبحت الكثير من مصانع القطاع الخاص خاصة الصغيرة والمتوسطة مضطرة إلى الإغلاق. فقد تم إغلاق حوالي 400 مصنع في شبرا الخيمة من 1096 مصنع منذ عام 1994 حتي نهاية 1995. وفي المقابل أقيمت المصانع الجديدة في العاشر من رمضان والسادات والسادس من أكتوبر ومدن القناة، مستفيدة من الإعفاءات الضريبية الممنوحة للشركات الاستثمارية..[v]
2.    تدهور احوال العمال
أدخل قانون قطاع الأعمال العام 203 لسنة 1991 تغيرات على نظام الأجر والعلاوات والأجازات حيث جعلها محل تفاوض بين مجالس الإدارة والنقابة العامة، وألغى الضمانات ضد الفصل والتي كانت موجودة في القانون ( قانون العاملين بالقطاع العام). وفيما يتعلق بالأرباح، فبعد أن كانت حصة العمال من أرباح الشركة 25% يوزع منها  10% نقداً، و15% للخدمات الاجتماعية والإسكان، فقد نص القانون الجديد علي ألا يقل نصيب العاملين بالشركة عن 10% ، علي ألا يزيد ما يُصرف للعاملين عن مجموع أجورهم الأساسية السنوية. وفي نفس الوقت نجده خصص 5% من الأرباح لمجلس إدارة الشركة والذي لا يزيد عدده وفقاً لنص القانون عن تسعة افراد وقد تُرجم ذلك في انخفاض مستمر في دخل العمال و من ناحية أخرى، انخفض إنفاق شركات قطاع الأعمال العام على الخدمات. وقد أدت هذه الإجراءات إضافة إلى سياسة وقف التعيينات –التي اتبعتها الدولة في المؤسسات الحكومة وقطاع الأعمال العام—إلى تقليص عدد العمال في شركات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة التابعة لقطاع الأعمال والتخلص من نحو 100 ألف من عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة في هذا القطاع .وكانت المصانع الستة التابعة لشركة إسكو  تضم 24,000 عامل في عام 1980، وصل عدد العمال في 2007 إلى 3500 بفعل سياسة المعاش المبكر.. وبسبب توقف الإنتاج تعمل شركة وولتكس بـ 10% من طاقتها والباقي في حالة بطالة دائمة بسبب عدم قدرة الشركة على تصريف منتجاتها.كذلك انعكست الأزمة الاقتصادية على أوضاع شركات القطاع الخاص. فمصانع النسيج الصغيرة، التي تقوم بشكل أساسي بالعمل من الباطن لصالح شركات نسيج القطاع العام الكبيرة، تأثرت بشدة بسبب تدهور أحوال الشركات الكبرى تلك. كثير من المصانع تعطلت وتم إغلاقها وأفلس أصحابها، فمن ضمن 2400 مصنع نسيج صغير في مصر توقف 500 مصنع عن الإنتاج ويعمل 1200 مصنع منهم بنصف طاقته. وفي عام 1985 أغلق في شبرا الخيمة وحدها 80 مصنع صغير بسبب عجزها عن الإنتاج.[vi].


3.    تدهور عمران المدينة ..
انسحبت الدولة تماما من مجال تنمية العمران وبناء الاسكان في شبرا الخيمة في الوقت الذي شهدت فيه المدينة نموا مضطردا حيث تضاعف عدد سكان الحي الثاني من شبرا الخيمة في الفترة من 1976 الى 1996 ثلاثة مرات نتيجة لزيادة معدلات الهجرة الداخلية اليها واقبال الناس على السكنى بها نظرا لقربها الشديد من مراكز العمل المختلفة بالقاهرة وخاصة بعد انشاء الطريق الدائري الذي ساعد على ربط شبرا الخيمة بكافة انحاء العاصمة ..  وفي ظل  غياب الدولة فقد اخذ الاسكان الغير رسمي ينمو بكل طاقته ملتهما مساحة الارض الزراعية التي طالما وفرت الكثير من المنتجات الزراعية لمدينة القاهرة .. وتشير الارقام الى زيادة عدد الوحدات السكنية بالمدينة من 88000 في 1976 الى 180000 في 1986 .. بنسبة تقدر ب100%.يقدر ان حوالي 76% من تلك الوحدات السكنية هي وحدات غير رسمية وتضم اكثر من 54% من سكان شبرا الخيمة (حتى 1987).. هذا مع الاخذ في الاعتبار ان الكثير من المساكن التابعة لشركات الغزل والنسيج بقطاع الأعمال العام مهددة بالانهيار. فقد توقفت الإدارات منذ سنوات عديدة عن القيام بأى أعمال صيانة لها...

لقد استطاعت العقود الماضية ان تمحي من ملامح شبرا الخيمة غالبية اثار الحلم الصناعي الكبير لتلك المدينة. تغيرت اسماء الشوارع والمصانع وطمست ضجة المدينة الجديدة ما تبقى من شبرا الخيمة التي نحكي عنها .. الا انها لا تزال تحتفظ ببعض مصانعها وان تغيرت اسمائها ومعظم مشاريع الاسكان الرسمي القائم حاليا في شبرا الخيمة هي تلك المساكن التي ينتها المصانع والشركات لعمالها وموظفيها في الخمسينات والستينات بالاضافة الى مشروعي المساكن الشعبية لا تزال قائمة وان بهتت ملامحها وتدهورت حالتها العمرانية .. وفيما عدا ذلك فان شبرا الخيمة اليوم مزيج من الشوارع الضيقة متدنية المرافق والمساكن المتزاحمة والورش والمحال التجارية كأن عمران المدينة في حالة صراع دائم من اجل البقاء .
ان شبرا الخيمة لا تحكي فقط عن تدهور عمران مدينة بسبب تحول انظار الدولة الراعية عنها بل تحكي قصة انهيار اقتصاد دولة بسبب الانقلاب على مبادئ العدالة الاجتماعية والاستهانة بدور الراعي في تحقيق الكفاية والعدل لرعيته .. قصة التحول من الاشتراكية الى الرأسمالية والتحول من الانتاج الى الكسب ومن الاستقلال الى التبعية  .. لم تحقق قوانين الانفتاح الاقتصادي وما اعقبها  الرخاء والرفاهية الا لشريحة محدودة للغاية .. انما اعادت احتكار رأس المال والطبقية الذي طالما حاربته ثورة يوليو،والاسوا من ذلك انها صرفت انظار الناس عن مبادئ العمل والانتاج وفتت وحدتهم  وزرعت الانانية والمادية واحلام الكسب السريع بديلا عن الدوافع الوطنية وارادة البناء.. لتتحول في سنوات مزارع القطن والقمح الى غابة من الطوب الاحمر وقلعة الصناعة والانتاج الى مجرد مدينة عشوائية وعبء ثقيل على الدولة تعصى قدراتها على التعامل معه..
ان التحولات الاقتصادية الثورية التي حققتها ثورة يوليو على مدى ما يقرب من عقدين من الزمان والتي لا تزال مدينة شبرا الخيمة تحمل منها ظلالا باهته ، لم تكن نتاج احدى خوارق الزمان ، انما كانت تجربة ونموذج ستظل حاضرة لتثبت للمصريين انفسهم كيف يستطيعون بالعمل والانتاج وحده نقل هذا الوطن الى مكانته التي يستحق ..











[i] المسح الاجتماعي الشامل للمجتمع المصري 1952-1980 – البناء الاقتصادي
[ii] جمال حمدان شخصية مصر الفصل33 مصر الصناعية  ص 538-542
[iii] المشروع الاجتماعي لثورة يوليو د سعد الدين ابراهيم – كتاب مصر والعروبة وثورة يوليو
[iv] الخصائص التخطيطية للمناطق الصناعية وعلاقتها بالتنمية الصناعية – رسالة دكتوراه مهندس عابد محمود احمد جاد جامعة القاهرة
[v] تقرير عن أحوال عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة إعداد غادة رجائى- مركز الأرض لحقوق الانسان نوفمبر 2008

[vi] http://ayman1970.wordpress.com/2010/07/10

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق