عبد الناصر والإسلام - د رفعت سيد احمد

بقلم: الأستاذ دكتور رفعت سيد أحمد - 23 يوليو, 2010


سيظل عبد الناصر ، حاضراً ، بفكره وتجربته ، مهما طال الزمن أو بعد ، ربما يعود ذلك إلى أن تجربته كانت ثرية بإنجازاتها ؛او ربما يعود ذلك إلى أنها جاءت فى لحظة تاريخية فاصلة من عمر الأمة ، فخلقت واقعاً جديداً مفصلياً فى تاريخ مصر الحديث .. وربما لأسباب أخرى سياسية داخلية وخارجية ،جعل  لهذه التجربة الناصرية بريقها وديمومتها ، رغم أخطائها بل وخطاياها العديدة ، واليوم نعيد فتح ملف هذه التجربة من زاوية جديدة ، زاوية نحسبها لاتزال تطلق تأثيراتها ، وتفرض معاركها علينا ، وعلى العالم ، زاوية (الإسلام) وموقعه فى مدركات وسلوكيات الأنظمة الحاكمة ، اليوم نحاول أن نعيد قراءة رؤية عبد الناصر للإسلام وهى الرؤية التى نحتاجها اليوم ، رؤية نقدمها بعيداعن جدلية الصراع بين عبدالناصر وحركة الإخوان المسلمين لكثرة ما كتب فيها ، وايضا لعدم جدوى تذكر المأساة من ، نريد أن نفتح قوساً أوسع ، من هذا القوس الإخوانى – الناصرى الضيق – رغم أهميته للباحثين وللحركيين الإسلاميين والناصريين ، القوس الذى نريد أن نفتحه هو قوس الرؤية والمدركات والفلسفة التى حكمت المشروع الناصرى (1952 – 1970) تجاه الإسلام : حركات ، وقيم، ومؤسسات وثقافة كيف كانت وإلى أى مآل انتهت ، وكيف نستفيد منها اليوم أو غداً فى مجال التعامل مع قضايا مصر والمنطقة والعالم التى تتفجر من حولنا ، ويحتل الفهم للإسلام (خطأ أو صواباً) جزءاً من عملية تفجيرها .

هذا ما ستحاوله هذه الدراسة التى سبق ومثلت بعض فقراتها جزءاً من أطروحة الماجستير التى حصل عليها كاتب هذه الدراسة عام (1983) من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ، واليوم نجددها ، ونجدد قضاياها ونعيد طرح جوهر الدراسة للحوار ، من أجل مصر فى ذكرى ثورتها الثامنة والخمسين.. فماذا عنها ؟
مصادر فكر عبد الناصر الإسلامى
يتجه البحث عن مصادر فكر عبد الناصر إلى مناقشة جذور العلاقة التى ربطت عبد الناصر بإشكالية البحث ، سواء على المستوى العملى (علاقاته بالإخوان المسلمين ، والوفد ، ومصر الفتاة ، والمؤسسة العسكرية) أو على المستوى الفكرى كقراءاته وثقافته العامة ، وعليه سوف تتجه الدراسة بشأن هذه القضية إلى تناول علاقات عبد الناصر العملية والفكرية فى المرحلة السابقة على قيام الثورة والتى تتحدد فى علاقة عبد الناصر بالإخوان المسلمين ، وبمصر الفتاة وبالوفد .
وبالنسبة لعلاقته بالإخوان المسلمين ، والتى بدأت عملياً عام 1944 بلقاء مع الضابط المتقاعد/ محمود لبيب ، وأثرت هذه العلاقة عليه ولكن بشكل غير مباشر ، حيث أخذ منها الانضباط ودقة النظام ، والهيراركية السياسية ، وهى الأمور التى كانت أكثر جاذبية للضباط بوجه عام ، ولعبد الناصر على وجه الخصوص ، ولكن لم يصل هذا التأثير لأبعد من هذا . فلم يأخذ عنهم عبد الناصر فكرة الربط بين الدين والسياسة ، بل كان حريصاً على عدم ربط حركته بأى أيديولوجية معينة ، ولكنه فى ذات الوقت لم يعاد أياً من النظريات القائمة مما ساعده على إقامة اتصال بكل التنظيمات فكان منفتحاً على الشيوعيين ، وعلى الإخوان المسلمين على السواء .
أما بالنسبة لعلاقته بمصر الفتاة ، فيرى البعض أن نظرة عبد الناصر إلى السلطة ، وموقفه وسياساته تجاه البريطانيين أو الغرب والشرق العربى ، والعالم ، كذلك إدراكه للمسألة الوطنية المصرية ، كل هذه الأمور تبدو قريبة الشبه جداً من تصور مصر الفتاة إلى الحد الذى يصعب معه اعتبارها مجرد صدفة أو مبالغة فى التقدير .
ولا أحد ينكر هذه الحقيقة الهامة حول تأثر عبد الناصر بفكر مصر الفتاة ، لتصبح أحد روافده الفكرية الهامة ، وقد تعود إليها نظرته إلى قضايا الإصلاح وسياسات التمصير ، ولكن تأثير مصر الفتاة الدينى على عبد الناصر لم يكن واضحاً بالقدر الكافى ولا يمكن اكتشافه إلا فى سياق معاداتها للنموذج الغربى ، على وجه العموم ، والذى ظل يمثل هاجساً سياسياً مستمراً عند زعامة مصر الفتاة وتحديداً أحمد حسين وفتحى رضوان ، وهو السياق الوحيد الذى يوضح موقع الدين والدولة عند هذه الزعامة ، وحجم تأثر عبد الناصر بها .
ولعل فى إثارة العلاقة المفقودة بين عبد الناصر وحزب الوفد ، ما يثير الانتباه ، فهذه العلاقة لم تكن قائمة بنفس الدرجة التى قامت بين عبد الناصر وجماعات الرفض الأخرى كالإخوان المسلمين والشيوعيين ومصر الفتاة ، وهو الأمر الذى قد يفسر ما أشار إليه أحمد حمروش بأنه لم يكن موجوداً بين قيادة التنظيم قبطى واحد ، مما يعنى عدم تأثر عبد الناصر بعلمانية الوفد وموقفه تجاه مسألة الوحدة الوطنية ، وعلاقة الدين بالسياسة ، ومن جانب آخر فإن تزايد الفساد السياسى والاجتماعى الذى ارتبط ببعض قيادات الوفد أعطى صورة غير طيبة له عند عبد الناصر وزملائه ، ولكن هذا الموقف من قبل عبد الناصر تجاه الوفد ، لم يمنعه عندما تولى السلطة رسمياً عام 1954 من أن يبدأ طريقه مع العلمانية الاجتماعية ، وإن كان بأداء مختلف عن أداء الوفد .
وتأتى تجربة عبد الناصر الشخصية فى التعليم الابتدائى والثانوى واشتراكه فى المظاهرات الصاخبة التى قادتها مصر الفتاة عام 1936 ثم دخوله فى الكلية الحربية وتأثره بالنموذج العسكرى فى التنظيم والتفكير ، تأتى هذه التجارب لتمثل رافداً رابعاً وأخيراً فى روافد الفكر الدينى لعبد الناصر ، والتى تؤكد جميعها على نقطة هامة وهى أن عبد الناصر كان لا يميل إلى العلمانية بمعناها الغربى فى علاقة الدين بالدولة .
موقع (الدين) فى فكر عبد الناصر :
بعد نجاح الثورة عام 1952 استمر الصراع على السلطة ، ومن حولها حتى عام 1954 ، ومنذ هذا التاريخ وحتى عام 1970 ، كان عبد الناصر الرجل الأول فى النظام وعليه أثير ولايزال الجدل ، حول موقع الدين وقضاياه المختلفة من الإدراك الناصرى وأيضاً موقع الإسلام تحديداً منه ، وفى هذا السياق سبق أن استخدم كاتب هذه الدراسة عدة مناهج لدراسة هذا الموقع للدين فى مدركات عبد الناصر ، وذلك أثناء رسالتيه للماجستير (1983) والدكتوراه (1988) وفى كتب أخرى لنا وتناولنا هذا الموقع للدين لدى عبد الناصر على مستويين :
 المستوى الأول : تحليل العينة الوثائقية ونقصد هنا الجزء الدينى فى خطب ووثائق عبد الناصر ونتائجه الكمية .
2 – المستوى الثانى : التحليل الكيفى للعينة وذلك مع ربط المستويين بطبيعة المرحلة وسياقها التاريخى .
1 – مستوى العينة الوثائقية ونتائجها الرقمية : وفيه استخدمنا لتحليل مدركات عبد الناصر تجاه قضية الدين ، عينة من خطبه ، بالإضافة إلى ثلاث وثائق أساسية هى فلسفة الثورة ، الميثاق الوطنى ، بيان 30 مارس ، ويرجع السبب فى اختيار هذه العينة من الخطابات والوثائق أن هذه الخطابات هى فقط الخطابات التى ورد بها ذكر للدين سواء كفكرة أو ككلمة ، وبالنسبة للوثائق ، اعتبرها الباحث المحصلة الرسمية التى يمكن من خلالها رصد الموقف الرسمى للنظام تجاه العديد من القضايا ، وكانت بمثابة نقاط التحول الفكرية الهامة فى الفكر الرسمى لعبد الناصر وللنظام ، والتى احتل الدين أهمية خاصة فيها ، واتبعنا ثلاث خطوات للتعامل مع هذه العينة :
أ – الخطوة الأولى :وهى التى تتصل بعينة الخطب والأحاديث السياسية حيث يلاحظ أن الإجمالى العام للخطب والأحاديث السياسية لعبد الناصر خلال الفترة من عام 1952 حتى عام 1970 كان 834 ، والاجمالى العام لعدد الخطب والأحاديث التى تحدث فيها عن الدين خلال هذه الفترة هو 55 خطاباً وبالتالى تصير النسبة المئوية للخطب والأحاديث التى ورد بها الدين هى 6.6% منسوباً لإجمالى عدد الخطب .
يلاحظ على الفترات التى زاد فيها الحديث عن الدين فى خطب وأحاديث عبد الناصر بعد المقارنة بالاجمالى العام لها ، أن الفترة (67 – 1970) هى أعلى الفترات التى استخدم فيها عبد الناصر ما يمكن تسميته بالخطاب الدينى ، وهو ما يبدو متسقاً والسياق التاريخى والسياسى العام الذى ميزها والذى اتصف بهزيمة عسكرية فادحة فى عام 1967 أودت بمكاسب كثيرة أوجدها عبد الناصر فى المجتمع المصرى ، مما دفعه إلى أن يرجعها كونها "قدر" وأنها من "الله " تعالى ومواجهتها تطلب  "الإيمان" وأدت هذه الظروف – أيضاً – إلى حالة التقارب الملحوظ مع الدول العربية المحافظة والتي يلعب الإسلام دوراً هاماً في التعامل معها .
ب – الخطوة الثانية :وفيها يخضع الباحث العدد السابق من الخطب والأحاديث التي تحدث فيها عبد الناصر عن الدين بالإضافة إلى الوثائق الرسمية الثلاث لأداة تحليل المضمون على مستوى الفكرة ، والتي تم التوصل بشأنها إلى العديد من النتائج على النحو التالي :
*  تزايد الدين كفكرة مستخدمة في وثيقة الميثاق الوطني مقارناً بالوثائق الأخرى ، وإذا عدنا إلى طبيعة المرحلة والسياق الفكري والسياسي العام الذي ولد فيه الميثاق وأصبح معبراً عنه نجده تميز بعدة ميزات هامة تضمن محاولة  الطرح المتكامل لأيديولوجية النظام والتعبئة السياسية والتحول الإجتماعي نحو التنمية ، فقضايا الصراع الخارجي واتهام التجربة الإشتراكية بالإلحاد جميعها كان الدين قاسماً مشتركا فيها وبالتالي كان بروزه في الميثاق الوطني ليصبح عدد تكراراته = 60% من إجمالي التكرارات لجميع الوثائق الرسمية الثلاث : الميثاق – وفلسفة الثورة- بيان 20 مارس .
*أما بالنسبة للخطب والأحاديث نلاحظ ما يلي :
- تزايد للإجمالي العام للفكرة فئة التحليل خلال الفترة 52-1958 حيث وصلت إلى ما يساوي 136 أي ما يساوي 28.6% من الإجمالي العام الذي يساوي 475 والفترة 64-1966 حيث وصلت نسبتها 22.9% من الإجمالي العام وقد يعود هذا إلى أن هاتين الفترتين شهدتا أحداث الصدام الأول والثاني مع الإخوان المسلمين وعملية المواجهة مع فكرة الخلف الإسلامي .
- وتعد الفترة 58-1962 هي أقل الفترات حيث وصلت نسبتها إلى 6.7% من الإجمالي العام للتكرارات وقد يعود هذا التطور السريع لفكرة الوحدة العربية ووصولها إلى التحقيق الفعلي مع سوريا .
* الخطوة  الثالثة : وفيها تم استخدام الكلمة الدينية كوحدة للتحليل حيث يلاحظ ارتفاع لبعض الكلمات "كالدين" دون البعض الآخر كالقرآن في فترة زمنية معينة دون فترات أخرى ويعود هذاالى ذات الأسباب التي سبقت الإشارة إليها في الخطوتين السابقتين من حسب السياق الاجتماعي والسياسي العام الذي عاشته مصر خلال الحقبة الناصرية .
2 – المستوى الكيفي للعينة :
من خلال الاستخدام الكيفي للمعلومات التي توفرت من العينة السابقة أمكن لنا التوصل إلى عدة نتائج وإجابات على الأسئلة التالية :
أ – ما هي الأبعاد التي يثيرها موقع الدين في فكر عبد الناصر ؟
ب – هل تغير موقع الدين عند عبد الناصر حسب لتطور التاريخي والسياسي العام الذي مرت به مصر خلال الفترة ( 1952-1970) ؟ وهل توجد مواقف أو نقاط تاريخية معينة يبرز فيها دور الدين وأخرى يخبو فيها ؟
جـ - هل لجأ عبد الناصر إلى الدين عندما كان في موقف الدفاع عن النفس تجاه الإتجاهات الفكرية والسياسية الأخرى؟
وعند وضع هذه الأسئلة في إجابات محددة تصير متصلة : فى أبعاد موقع الدين فى فكر عبد الناصر والتى حول :
البعد الأول ، أن الدين فى إدراك عبد الناصر هو جزء من عملية التنمية الشاملة والتغير الاجتماعى فهو يساهم فى عملية التحول تجاهها ، ويخضع لنفس الشروط ولذات التحديات وخاصة فى المجتمعات ذات الثقافة التقليدية والتى يلعب الدين ورجاله فيها دوراً مؤثراً ، وبالنظرة السريعة للعينة السابقة نلاحظ أن الدين قد استخدم فى مجال التنمية الشاملة وكعنصر دافع لها خلال الفترة (1952 – 1970) 115 مرة ، كفكرة سائدة ، وأن الفترة من عام 1952 حتى عام 1958 مثلت بالنسبة للدين – أعلى الفترات ، حيث بلغ الاستخدام 28.6% من الاجمالى العام تليها الفترة (1964 – 1966) حيث بلغ الاستخدام 22.9% من الاجمالى العام ، وبعودة سريعة إلى طبيعة وظروف الفترتين نلحظ فيها أحداث الصدام الأول والثانى بين عبد الناصر والإخوان المسلمين وبدء عمليات التنمية والتغير الاجتماعى والتأميم ، وغيرها . والدين هنا أصبح يلعب دوراً فى التنمية من خلال كشف أعدائها حيث " شريعة الله هى شريعة العدل وهى شريعة المساواة ، أما شريعة الرجعية فهى شريعة ضد الإسلام وضد الدين مهما تمسحت به " ([1]) .
وحيث يرتبط الدين لدى عبد الناصر بالعدالة " فالذى يريد أن يطبق الدين لا يقسم الشعب إلى أسياد وشعب من العبيد .. ده .. ده هو الكفر " كما يقول فى خطابه فى 1/5/1966 .
أما البعد الثانى من أبعاد موقع الدين فى إدراك عبد الناصر ، فهو أنه كان يرى أن للدين الإسلامى دور مؤثر فى توحيد وتضامن العالم الإسلامى تجاه أهداف اجتماعية وسياسية وهنا ينبغى التأكيد على نقطتين هامتين :
الأولى : الدين عند عبد الناصر لم يكن هو الإسلام وحسب ، ولكنه مثل لديه كل التراث من قيم وتقاليد وتاريخ دينى ، عاشته مصر والمنطقة العربية ، يعنى هذا ادخال المسيحية ، وبعض العادات الدينية والفرعونية وغير الفرعونية ، والتى لايزال المواطن العربى والمصرى يمارس بعض طقوسها كالموت ، أو زيارة القبور أو إرسال الرسائل إلى الموتى وما شابه ذلك أما الإسلام فهو أكثر تحديد وأقل شمولاً من الدين عند عبد الناصر ، ومن هنا كان استخدام كلمة الدين فى وثائق عبد الناصر وتحديداً للعينة المختارة أكثر من استخدام كلمة إسلام حيث كانت أكثر دلالة وتعبيراً عما يريده ، فنجد أن كلمة الدين استخدمت (192 مرة) طيلة الفترة (1952 – 1970) ، وكلمة الإسلام استخدمت (115 مرة) .
أما الثانية : فهى أن الدين ككلمة أو كفكرة ، استخدمت عند عبد الناصر فى المجال الداخلى المصرى أو الإقليمى العربى ، فهى لم تتعد كثيراً عنده إلى حيث الإطار الدولى أو اطار العالم الثالث أو الإسلامى ، فالدين استخدم فى مواجهة الرجعية العربية وأعداء الاشتراكية والتنمية أيضاً أعداء الجمود الفكرى حيث :
" الرجعية التى أرادت احتكار خيرات الأرض لصالحها وحدها أقدمت على جريمة ستر مطامعها بالدين ، وراحت تتلمس فيه ما يتعارض مع روحه ذاتها لكى توقف تيار التفكير ، أما الإسلام فإنه يتجه إلى العالم الخارجى ، وفى مواجهة الحلف الإسلامى ومن أجل تضامن الأمم الإسلامية على نحو مطلق ، وبشأن دخول الإسلام كعامل مؤثر فى توحيد العالم الإسلامى يلاحظ استخدام عبد الناصر لكلمتى التضامن والتعاون وعدم استخدامه لكلمة الوحدة مع العالم الإسلامى ، حيث لم يظهر أساساً مفهوم الوحدة الإسلامية ، فى الخطاب الناصرى إلا مرة واحدة قبل 1956 فى السياق التالى " إنما أرى فيكم – الجنود – وحدة قومية بل أرى أيضاً وحدة عربية ، بل أرى أيضاً وحدة إسلامية ، بل أرى أيضاً وحدة إسلامية أفريقية " فى خطابه وسط مجموعة من الضباط المصريين فى عام 1955 .
أما البعد الثالث لموقع الدين فى فكر عبد الناصر ، فهو رفض الرؤية المتزمتة والتفسيرات الجامدة للدين وللإسلام ، ويفرق عبد الناصر هنا بين الإسلام كعقيدة ثابتة ومقدسة وبين الفكر الدينى المتجدد والمتغير ويرفض عبد الناصر هنا أيضاً احتكار بعض القوى الدينية لحق تفسير الدين وخاصة إذا تعارض هذا التفسير وعملية التحول الاجتماعى التى يقودها ، عندئذ يصير الدين جزءاً من عملية التعبئة السياسية فى مواجهة الفكر الرجعى ، وفى مواجهة الأعداء التقليديين له ، الرجعية العربية والاستعمار وإسرائيل ، ولعل فى نموذج اعتلائه لمنبر الأزهر إبان العدوان الثلاثى عام 1956  فى مجال الحديث عن الدين كعنصر فى عملية التعبئة السياسية ومواجهة الصراع الخارجى وبهدف تعبئة الجماهير ، ما يؤكد عليه ، والذى يظهره أكثر استخدامه الرقمى له خلال الفترة (1952 – 1970) .
أما البعد الرابع والأخير من محددات موقع الدين فى فكر عبد الناصر ، نجد أنه يرى أن الدين لا يصلح كأيديولوجية سياسية مستقلة بل يصلح كأداة وكمنطلق وكأحد العناصر لأيديولوجية سياسية هى القومية العربية ، ولقد كان اجمالى دور الدين فى تكوين القومية العربية كفكرة سائدة = 39 مرة ، كان بعضها عنصراً مساعداً أو ثانوياً.
من هذه الأبعاد السياسية لموقع الدين فى فكر عبد الناصر أمكن تحديد أربعة محاور أساسية تتمحور حولها رؤية الناصرية للدين هى :
- الدين كأحد عناصر القومية العربية .
- الدين كعنصر فى عملية التعبئة السياسية .
- الدين كعنصر فى عملية التغير الاجتماعى .
- الدين كعنصر فى عملية المواجهة للصراع الخارجى ..

(وللحديث بقية)



[1] خطاب للرئيس جمال عبد الناصر بتاريخ 22/3/1966 ، والجدير بالذكر أن الدراسة اعتمدت على المصادر التالية لخطب وأحاديث الرئيس جمال عبد الناصر : الأجزاء من الأول إلى الخامس (القاهرة ، وزارة الإرشاد القومى ، مصلحة الاستعلامات ، د.ت)
- الأجزاء السادس والسابع (القاهرة ، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهران ، 1973) انظر المراجع فى نهاية الكتاب .
عبد الناصر والإسلام (2/5)
بقلم: الأستاذ دكتور رفعت سيد أحمد - 23 يوليو, 2010

ان المتأمل فيما يمكن تسميته بالنظرية الناصرية للدين يلحظ تقدماً وشمولاً فى الرؤية ، نفتقر إليه اليوم ، ليس فحسب لدى النخبة السياسية والإعلامية الحاكمة أو المشاركة فى العمل العام ، بل حتى لدى النخب الناصرية التى تتصدر المشهد السياسى الناصرى والقومى الراهن فى مصر والوطن العربى ، لقد كان عبد الناصر (السياسى والمفكر) متجاوزاً لها ومتقدماً عليها رغم حجم التحديات التى كان مفروضاً عليه أن يخوضها خاصة فى مجال صدامه الدائم مع الإخوان المسلمين والسعودية المتأسلمة وهابياً قائدة المعسكر المعادى لعبد الناصر طيلة تلك الفترة (1952 – 1970) ، ترى ما هى مكونات تلك النظرية الناصرية للدين ؟ وما هى امكانات الاستفادة منها فى حاضرنا المضطرب والفوضوى هذا ؟
********
يحدثنا التاريخ أن النظرية الناصرية للدين (والإسلام فى قلبه) كانت ترى الدين مكونا رئيسيا للقومية العربية وعامل هام فى مواجهة الأزمات الداخلية أو الخارجية وعنصرا رئيسيا فى عملية التغير الاجتماعى وقضايا التنمية الشاملة وعامل  مهم فى عملية المواجهة للصراع .
وسوف نستند فى تحليل هذه الأبعاد للرؤية الناصرية للدين إلى وثائق هذه الفترة وبالأخص خطب وتصريحات وكتابات الرئيس عبد الناصر وكذلك فلسفة الثورة والميثاق الوطنى وبيان 30 مارس والتى سبق تحليلها فى الحلقة السابقة .
الدين كعنصر فى تكوين القومية العربية :
مثل الدين عنصراً هاماً فى تكوين أيديولوجية القومية العربية فى إدراك عبد الناصر ، والدين لدى عبد الناصر يدخل مع القومية العربية كتاريخ وتراث يمكن الاستفادة منه ، ويمثل قوة دفع لحركة القومية العربية نحو المستقبل ، والإسلام تحديداً يمثل المكون الأول فى كلمة الدين عند عبد الناصر ، والمكون الفاعل فى التأثير على حركة القومية العربية ، وهكذا أدرك عبد الناصر طبيعة العلاقة بين الدين والإسلام من ناحية وبين الدين والقومية من ناحية أخرى . وباستطلاع وتحليل الـ 55 خطاباً المكونين لعينة البحث خلال الفترة الناصرية والتى ورد فيه وحدها كلمات ومعانىتتصل بالدين يمكن الخروج بالنتائج التالية :
1 – كانت الفترة (1962 – 1964) هى أعلى الفترات التاريخية فى حكم عبد الناصر استخداماً للدين كفكرة وكعنصر فى تكوين القومية العربية ، وبالرجوع إلى المصادر الأولى للعينة أمكن التوصل إلى أن الدين استخدم فى هذه الفترة كعنصر أساسى فى تكوين القومية العربية 7 مرات أى بنسبة 16.3% وأن قصد عبد الناصر هنا الشعب العربى فيقول " علينا أيضاً أن نتجه وفق طبيعة شعبنا ، شعب دين ، تمسك بالدين ، واستخدم كعنصر الأيديولوجية وارتبطت ، ولكن من خلال تأكيده على المعنى الثورى لكليهما حيث أن " طريق العروبة هو طريق الإسلام " فالإسلام كان دين الحق ، دين الحرية ، ودين العدالة ، ودين المساواة " .
2 – وكانت الفترة (1958 – 1962) هى أقل الفترات استخداماً للدين فى مجال القومية العربية ، حيث استخدمه مرتين فقط ، وكانتا كعنصر مساعد ، ويلاحظ إشارات عبد الناصر الدائمة داخل الفترتين السابقتين إلى الدائرة الإسلامية ولكن بمعنى مناف للدائرة العربية وخاصة فى حالة استخدامها كأحلاف ، وبمعنى متداخل مع الدائرة العربية إذ استخدمت كعلاقة تضامن وتعاون مشترك .
3 – وفى تفسير أسباب الصعود والهبوط ودلالتها فى الخطب والأحاديث الناصرية خلال الفترتين السابقتين فإن هذا يعود إلى أن الفترة (1962 – 1964) شهدت انتكاسة تجربة الوحدة العربية الأولى والتى شبه فيها دور عبد الناصر بدور صلاح الدين الأيوبى ، ولما قامت أول مظاهر الوحدة بالفعل ، دخل الإسلام فى المعركة على نحو تاريخى عن طريق استرجاع ذكرى الحروب الصليبية ولكن بشكل قومى وليس بتوجه دينى .
وبعودة إلى انتكاسة الوحدة بين مصر وسوريا نجد أن عبد الناصر قد عاد مرة ثانية إلى التركيز على وحدة الطريقين : العروبى ، والإسلامى ، وخاصة إذا اتسما كلاهما بالثورية أو التقدمية ، وهى عودة تؤكد تأثير الوحدة وتجربتها على فكر عبد الناصر عموماً ، كما يلاحظ على الفترتين السابقتين أيضاً أنهما كانتا فترتى انكفاء داخلى وأولوية لقضية التنمية ، وبروز للإسلام على الساحة الخارجية ، وتحديداً من قبل المملكة العربية السعودية ، مما استلزم الدفاع عن التجربة بذات السلاح ، أما فى خلال الفترة (1962 – 1964) فقد تطورت ثورتا اليمن والجزائر ، وكان لابد من استخدام الدين فى ثورة اليمن فالمواجهة كانت مع القوى التى ترفض التقدم باسم الدين فاليمن : " لا يتقدم ، لا توجد به مدرسة ثانوية ، أو مصنع واحد ، ولا يوجد به تعليم ، ولا توجد به منشأة صحية ، اليمن لا يتطور مع العالم ، هل هذا هو الإسلام ، أبداً ، الإسلام هو دين الحق ، دين الحرية " . خطابه فى وفد اليمن بتاريخ 18/7/1963 .
وفى ثورة الجزائر كان لابد من تأكيد الهوية العربية وتأكيد الذات فى مواجهة فرنسا ، ومن ثم كان لابد أن تطرح علاقة التلازم بين طريقى العروبة والإسلام .
أما فترة الانحسار لعلاقة الدين بالقومية فيمكن إرجاعها إلى عوامل عديدة ، منها غلبة الاعتبارات السياسية والاقتصادية على الاعتبارات الثقافية العامة ، فى الفترة (1958 – 1960) ، مما رتب أوضاعاً فكرية عامة غلبت فيها الاعتبارات السياسية على الاعتبارات الثقافية والتى يدخل الدين ضمنها ، ويؤكد الانحسار أكثر الفترة السابقة على عام 1958 ، واللاحقة على عام 1967 ، حيث أدت التطورات التى عاشتها مصر على مستوى الأزمات الداخلية والعسكرية ، وتحديداً صراعها مع إسرائيل إلى الغياب النسبى لإبراز دور الدين واعطائه سمة الهامشية ، خلال هذه الفترات ويعود ذلك إلى التركيز على قومية الصراع وما يتفرع منه من قضايا .
4 – وتؤكد الوثائق أيضاً تركيز عبد الناصر على استخدام كلمة الدين أكثر من كلمة الإسلام خلال نفس الفترات السابقة – انحساراً أو صعوداً – واستخدامه للكلمتين معا أكثر من الكلمات الأخرى ، حيث الدين استخدم فى الفترة (1962 – 1964) بنسبة 39.6% وحيث الإسلام استخدم (51 مرة) أى بنسبة 26.6% خلال نفس الفترة .
أما فى الفترة (1958 – 1960) فلقد استخدمت الكلمتان السابقتان وفق الترتيب التالى:
كلمة الدين (11 مرة) أى بنسبة 5.7% وكلمة الإسلام (6 مرات) أى بنسبة 5.2% ، والتى تعكس انخفاض دور الدين فى هذه الفترة ، وهذا يعود – كما سبق القول – إلى صعود فكرة الوحدة ووصولها إلى التطبيق العملى بين مصر وسوريا ، وتبرز هنا أيضاً دلالة استخدام كلمة الدين أكثر من كلمة الإسلام فى مجال القومية العربية ، وذلك راجع إلى الشمول والاتساع الذى تتصف به الكلمة ، حيث الدين ينسحب إلى مجمل التراث الدينى العربى ، من مسيحية وإسلام ، وبالتالى يعطى الدين دلالة أكثر اتساعاً وإنصافاً واستمالة للشعوب العربية التى تتعايش معها أقليات دينية مختلفة ، وهذه دلالة هامة فى وثائق عبد الناصر .
* هذا وتتأكد أكثر الدلالات السابقة بعد التحليل الموضوعى لإدراك عبد الناصر حول طبيعة العلاقة بين الدين والقومية العربية ، وتتحدد هذه العلاقة ، حول قيم الاعتزاز والاستفادة وعدم التعارض بين الاثنين ، حيث يرى عبد الناصر مثلاً :
" أن الأمة العربية تعتز بتراثها الإسلامى وتعتبره من أعظم مصادر طاقاتها النضالية ، وهى فى تطلعها إلى التقدم ترفض منطق هؤلاء الذين يريدون تصوير روح الإسلام على أنها قيد يشد إلى الماضى ، وهى ترى روح الإسلام حافزاً يدفع إلى اقتحام المستقبل على توافق وانسجام كاملين مع مطالب الحرية الاجتماعية والحرية الثقافية " خطابه بتاريخ 27/3/1967.
ان أغلب مقولات عبد الناصر عن الإسلام تؤكد دور الدين فى فكره تجاه القومية العربية وقضاياها المختلفة ، فالدين يلعب دور الدافع المعنوى الى تكوين وبلورة الإدراك واعطائه الصبغة المؤثرة ، وتؤكد القراءة السابقة فى مقولات عبد الناصر أن الدين – وتحديداً الإسلام- لم يستخدم عند عبد الناصر إلا فى الحالات التى يعجز فيها عن مجال القومية أن يؤكد فكرته بما توافر من مبررات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية ، فيدفع بالدين إلى مجال المواجهة ليحفز الروح العربية التى تؤمن بها الجماهير العربية – كما كان يسميها – لمواجهة الاستعمار الخارجى ، أو الرجعية العربية ، أو يدفعها لبناء الهيكل الاجتماعى وعمليات التنمية التى تتطلبها المرحلة ويتطلبها هدف الوحدة .
الدين كعنصر فى عملية التعبئة السياسية :
يمثل الدين فى المجتمعات ذات الثقافة التقليدية ، عاملاً مؤثراً فى تكوين هذه الثقافة وبالتالى عاملاً مساهماً فى تشكيل الوعى الجماعى لهذه المجتمعات ، ومن هنا تصبح عملية دفع أفرادها وتحريكهم سياسياً ، أى عملية تعبئتهم سياسياً خاصة فى حالة الأزمة ، تفترض استخداماً لعناصر ثقافتهم التقليدية التى يأتى العرف ونظام العادات والتقاليد والدين فى مقدمتها.
ومصر لا تخرج عن هذه القاعدة العامة تاريخياً ، فالدين مثل الأداة الفاعلة فى التأثير على الرأى العام ، خاصة خلال الأزمات والأحداث الهامة فى التاريخ المصرى الحديث وفى نموذج الحملة الفرنسية ودور رجال الأزهر فى مواجهتها ، ونموذج محمد على ، ودور رجال الدين فى تنصيبه ، وكذلك دور الدين فى ثورة 1919 وما تلاها ، وأخيراً النموذج الذى تتم دراسته الآن ، واستخدام الدين فيه خلال الأزمات السياسية والأحداث الهامة بدءاً بأحداث الصدام الأول مع الإخوان المسلمين عام 1954 ومروراً بسياسة الأحلاف ، فالعدوان الثلاثى وأزمة عام 1965 مع الإخوان المسلمين وانتهاء بهزيمة عام 1967 ، فى كل هذا ، ما يقوم هنا كتأكيد على حقيقة دور الدين فى التعبئة السياسية ، ولقد تم ممارسة عملية التعبئة السياسية بوسائلها المختلفة التى منها الدين طوال سنوات الحكم الناصرى تقريباً ، وإن كانت بعض الفترات ، وبعض الأزمات كانت العملية فيها أكثر وضوحاً من الأخرى ، ولقد اتبع عبد الناصر منهجاً لعملية التعبئة السياسية هذه ، ويقوم الإدراك الناصرى على مستويين : أولهما : مستوى إدراك الأزمة أو الحدث الذى يتم بسببه ادخال الدين كعنصر فى عملية التعبئة السياسية وثانيهما : مستوى الأدوات أو الوسائل التى تستخدم داخل عنصر الدين وكيفية استخدامها .
وفى المستوى الأول يلاحظ أن عبد الناصر لم يستخدم الدين فى عملية التعبئة السياسية إلا عندما يدرك تعرض نظامه السياسي إلى أزمة حادة ، أى أن عبد الناصر لم يستخدم الدين أو الاستدلال به إلا فى ظروف أزمة قد تؤثر على شرعية نظامه أو تؤدى به ، تمثل هذا داخلياً فى أزمة الصراع مع الإخوان المسلمين عام 1954 ، وتمثل خارجياً فى هجومه على السعودية والرجعية العربية .
أما بالنسبة لمستوى الأدوات أو الوسائل فيتضح من دلالة الاستدلال بالرسول وبتراثه الكفاحى وبالأزهر وتاريخه – والذى يظهر واضحاً فى تكرارات العينة الوثائقية – أو بصلاح الدين الأيوبى أو بقيم وخبرات النضال العربى والمصرى فى مواجهة الاستعمار الخارجى أو القوى الدخيلة عليه وربط كل هذه القيم بحاضر المنطقة والأزمة التى يعالجها .
الدين وقضايا التنمية الشاملة :
مثل عقدا الخمسينات والستينات بالنسبة للدول العربية مرحلة الاستقلال السياسى ومحاولات التنمية المستقلة ، بعد فترة طويلة من الاستعمار الغربى ، وعندما قامت ثورة يوليو 1952 ، كان المجتمع المصرى يعانى من أزمتين مؤثرتين : أزمة سياسية ، حيث كان المجتمع يرزح تحت وطأة ثالوث سلطوى : الاحتلال الأجنبى ، والقصر وأحزاب الأقلية .. وأزمة اجتماعية اقتصادية تمثلت فى سيطرة الاقطاع وانقسام المجتمع إلى طبقتين احداهما أغلبية لا تملك ولا تحكم ، والأخرى أقلية تملك وتحكم معاً ، وأصبح الواقع يشهد أن نصف الأمة ليس فى حساب الأحياء .
قامت ثورة يوليو 1952 إذن لتواجه بهاتين الأزمتين ، وهو الأمر الذى أثار أهمية مواجهة العديد من قضايا التنمية الشاملة ، فكان أن أثيرت قضايا مثل التخطيط والتمصير ، والتأميم ، والاشتراكية ، ومواجهة الرجعية المحلية والخارجية ، ودور أو وظيفة الدين فى هذه القضايا.
والنتائج التالية المأخوذة من وثائق الدراسة تبرز تطور تكرار الدين كعنصر فى عملية التغير الاجتماعى والتعبئة الشاملة ، والتى تؤكد من حيث أرقامها المناخ العام الذى سيطر على تلك الفترة ، حيث نجد أن الفترة (1964 – 1966) كانت أعلى الفترات التى استخدم فيها الدين كعنصر فى عملية التغير الاجتماعى والتحول نحو التنمية الشاملة حيث بلغ عدد تكراراته كفكرة سائدة 49 مرة من اجمالى الفترة التى وصلت إلى 115 مرة أى بنسبة تصل إلى 42.6% من اجمالى الفترة ، تليها الفترة (1962 – 1964) التى وصلت إلى 22 مرة أى بنسبة 19% ، أما أقل الفترات فكانت الفترة (1967 – 1970) حيث وصلت نسبتها 8.7% من الاجمالى العام للفترة .
والاشتراكية عند عبد الناصر فى علاقتها بالدين تنتقل إلى مرحلة أخرى حين يستشهد هنا بخبرة أبى بكر الصديق فى مواجهة المرتدين :
" فلقد حارب أبو بكر مانعى الزكاة ، وهى حروب الردة فى الإسلام فالردة عن الزكاة ردة عن الإسلام ، ردة عن النظام الإسلامى كله وعن الدعوة الإسلامية كلها ، وهذا نموذج للثورة الاجتماعية ، لابد أن تسير فى طريقها ويتم تأمينها حتى تنتصر وحتى تزيل الفوارق بين الطبقات ، حتى تقام العدالة الاجتماعية ، وحتى تقام الفرص المتكافئة بين الناس ، لقد انتصر النبى أولا ورجع إلى مكة منتصراً وحدث خلاف فى ذلك الوقت حول العفو عن الذين ناهضوا الدعوة وقاوموها ووقفوا ضدها أم لا ؟ فقال الرسول " اذهبوا فأنتم الطلقاء " وقال أيضاً : من دخل بيت أبى سفيان فهو آمن وكان هذا سبيل الثورة فى بدايتها ، وهو سبيل الرسول عندما رجع من إحدى المعارك التى أصيب فيها معركة أحد .. وقال " اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ، ولكنه قال أيضاً : " أن المنافقين يقتلون ولو كانوا متعلقون بأستار الكعبة ، فلكل دعوة مؤيدون ومعارضون والمعارضون يتم العفو عنهم إذا ما تحولوا إلى الإسلام كما فعل عمر بن الخطاب عندما تحول من العداوة إلى التأييد أو قتالهم كقتال أبى بكر لمانعى الزكاة" .
وهنا حاول عبد الناصر الارتكان إلى التراث الإسلامى فى مجال الحرب ، من أجل تأييد العنف الثورى فيما يتعلق بحقوق الفقراء فى أموال الأغنياء مستدلاً بحروب الردة وقتال مانعى الزكاة .
وهكذا تصبح الحرب من أجل حقوق الفقراء ، أداة للتوكيد على تلك العلاقة ، علاقة الإسلام بالاشتراكية ، لقد أدرك عبد الناصر طبيعة العلاقة بين الدين والاشتراكية وبين الدين والتنمية وهو الادراك الذى وجد منذ البداية مع قيام الثورة ولكنه اكتسب فاعليته ومصداقيته مع بدء عمليات التحول الاجتماعى فى مصر مع بداية الستينات .
الدين كعنصر فى عملية المواجهة للصراع الخارجى :
لعب عبد الناصر دوراً مؤثراً فى تشكيل وإدارة السياسة الخارجية المصرية وقضايا الصراع الخارجى ، بدءاً بالعدوان الثلاثى عام 1956 ، ومروراً بالأحلاف الخارجية وانتهاء بهزيمة عام 1967 ، وفى مجمل قضايا الصراع الخارجى لعب الدين دوراً مسانداً له واتضح هذا البعد الخارجى للدين عندما وقف عبد الناصر على منبر الأزهر يلقى خطاباً فى الجماهير يدفعهم فيه إلى الجهاد ، وفى الحلف الإسلامى ، وأخيراً فى ذلك الانكسار العام الذى لازمه وخاصة على مستوى المزاج النفسى والإدراكى بعد هزيمة عام 1967 .
وبتحليل العينة الوثائقية من خطب ووثائق عبد الناصر – التى استندنا إليها – تتأكد هذه الأهمية لدور الدين فى الإدراك الناصرى تجاه عملية المواجهة للصراع الخارجى ، حيث يتضح منها أن الفترة (1964 – 1966) مثلت أعلى الفترات التى استخدم فيها الدين فى الصراع الخارجى حيث وصلت إلى 36.7% من الاجمالى العام للفترة ، ويعود هذا إلى الحديث الذى أثير وقتئذ حول الحلف الإسلامى ، وكيف أنه ضد الدين وضد الإسلام ، وتلت ذلك الفترة (1967 – 1970) حيث وصلت نسبتها إلى 22.2% من الاجمالى العام ، وتعود هى الأخرى إلى طبيعة الفترة التى تميزت بوجود هزيمة عسكرية فادحة ومحاولة إعادة بناء وترتيب البيت المصرى ، وأيضاً مواجهة الأعداء المتربصين بالخارج .
ومن واقع الحقائق السابقة يمكن أن تعالج هنا للتدليل على الأبعاد الخارجية ، قضية الدين والصراع مع الرجعية العربية ، والدين وقضية الحلف الإسلامى ، وبالإضافة إلى الإشارة إلى موقع الدين فى علاقته بالصراع العربى الصهيونى فى إدراك عبد الناصر وإذا أخذنا على سبيل المثال موقف عبد الناصر وصراعه مع ما أسماه بالرجعية العربية .
نجد أن الاشتراكية وما ارتبط بها من تحركات عبد الناصر الوحدوية مثلت نقطة الوثوب والهجوم على النظام المصرى ، يؤكد هذا أن الهجوم على الثورة قد بدأ بعد الانفصال عن سوريا وحيث وجدت هذه الأنظمة الفرصة مواتية للهجوم على الثورة الاجتماعية فى مصر وهى مطعونة فى الظهر فشنت حملة على مصر وعلى الاشتراكية .
وتمثلت الدعاية الخارجية المضادة لمصر فى الدعاية السعودية والأردنية والتونسية وغيرها .. وانطلق عبد الناصر فى الرد عليهم من خلال أسلوب المواجهة المسبقة ، مثل ضرب الحلف الإسلامى فى عام 1965 ، وليس فقط أسلوب الفعل ورد الفعل – كما أشار البعض ، فعبد الناصر كان يدحض دعاويهم قبل تنفيذها ويقول بهذا الشأن :
" هل الإسلام يقول أن تطلع فى بلد عيلة وتحكم حكم اقطاعى تسف كل الفلوس اللى طالعة ، كلها بتروح للعيلة ، والباقى قاعدين مش لاقيين ياكلوا ؟ هل الإسلام بيقول أن شعب يكون كله من العبيد وتكون هناك عيلة مميزة هى اللى تاخد الدخل كله ؟ هل الإسلام يقول ان احنا ناخد فلوس المسلمين ننهب فلوس المسلمين ونسف ونسرق فلوس المسلمين ؟ " خطابه بتاريخ 1/5/1966 .
وفى مواجهته لرموز الرجعية العربية – كما رآها عبد الناصر – يقول بشأن ملك السعودية : " بتطلع تقول لهم دى الاشتراكية ضد الدين ، هم الناس مغفلين ، بتطلع تقول لهم الاشتراكية ضد الدين ، والناس طبعاً النهارده كل واحد عنده راديو ترانزستور ، وبيسمع وبيقول الله ، الاشتراكية تكافؤ الفرص ، والاشتراكية ، مساواة مافيش أمير ولافيش غفير ، لا صاحب سمو ولا صاحب جلالة ولافيش واحد بدقن ولا واحد مالوش ، ماهياش أبدا مختلفة ، العملية كلها مساواة ، أدى الاشتراكية ، الاشتراكية ازاى تبقى ضد الدين ، اذا كنتوا يا أصحاب الدقون قايمين تتاجروا بالدين " (خطابه السابق) .
وبنفس المنطق يبعد عبد الناصر أى شبهة لوصفه بالشيوعية ويستبقهم فى هذا الصدد ، فثمة فروق من وجهة نظره بينه وبين الشيوعية :
" الفرق الأول بيننا وبين الشيوعية هو ان احنا نؤمن بالدين وأن الماركسية تنكر الدين ، وان احنا نؤمن بالرسل ، والماركسية تنكر الرسل ، أن الشيوعية تنكر الأديان ، وتعتبرها أفيون الشعوب ، واحنا بنؤمن بالله وحطينا ده ضمن المبادىء الأساسية ، وحطينا دا خامس اعتبار ، اعتبار الإيمان إيمان بالله لا يتزعزع ، قلنا هذا الكلام فى الميثاق ، والفرق الأخير وهو الخاص بالصراع الطبقى الذى لا نؤمن به " خطابه فى 30/5/1962 .
وفى عام 1963 ، كانت حالة ما بعد الانفصال عن سوريا تأخذ الدين فى معاركها ، كتعبير عن التطور الجديد فى توقيت استخدام الدين مع الرجعية العربية كما أسماها عبد الناصر ، فهو يرى وفى غمرة رده على حكام سوريا الذين يعيبون عليه استخدام الدين فى " فلسفة الثورة" ، ويتحدث فى ذات الوقت عن الوحدة العربية والاشتراكية ومعاداة الرجعية .
" طول عمر هذه المنطقة العربية تمسكت بالدين ، وطول عمر هذه المنطقة العربية دافعت عن الدين ، وطول عمر هذه المنطقة تدافع عن الدين ، ولم تمكن أى خارج عن الدين من أن يكون صاحب سلطة فيها ، إذا اعتقد حكام سوريا حزب البعث فى سوريا ، ان السلطة دامت إليه النهارده ، وأصبحت الفرصة مواتية أمامه لكى يكشف عن نفسه ، ويكشف عن نواياه ، تطلع اذاعة دمشق امبارك بهذه التعليقات لتهاجم الدين وتهاجم ما كتب عن الدين ، بأنها أفكار دينية عفنة فهم فى هذا واهمين " خطابه بتاريخ 28/7/1963 .
وعبد الناصر لا يستبعد أن يصل الأمر مع الأنظمة الرجعية فى الوطن العربى – كاليمن وقتئذ- والتى تتاجر بالدين فى معاركها ضده ، الى درجة الاطاحة بها " لأنها ضد طبيعة الحياة وضد التطور " خطابه مع الوفد اليمنى بتاريخ 28/7/1963 .
ولكى يجسد عبد الناصر مفاهيمه عن التطور المطلوب فى المجتمع العربى ، فى مواجهة دعاوى الرجعية يطرح مفهوم الجمهورية حيث :
" الجمهورية معناها أن أى شخص من أبناء اليمن له الحق فى أن يحكم اليمن طالما كانت هذه هى إرادة شعب وهذا هو الإسلام ، فى كل معانيه ، هذا هو الإسلام كما رأيناه فى أول عهود الإسلام ، فى أول أيام الإسلام الجمهورية معناها أن الشعب يستطيع أيضاً أن يعزل الحاكم إذا انحرف عن مصلحة الشعب وعن إرادة الشعب هذه هى الجمهورية ، والجمهورية قامت فى اليمن وقابلت عدوان استعمارى رجعى لأن الاستعمار والرجعية لا يريدون أن تقوى اليمن " (خطابه السابق) .
ويجمل عبد الناصر رده على الرجعية العربية ، فى مدركات محددة للإسلام الذى استخدموه – من وجهة نظره – خطأ :
" تعاليم الإسلام بسيطة ، تعاليم الإسلام واضحة ، فيه ناس بيقولوا ، أن الإسلام دين رجعى ، وأنا بأقول أبداً الإسلام دين تقدمى ، هو دين التطور والحياة ، الإسلام يمثل الدين ويمثل الدنيا، لا يمثل الدين فقط ، الإسلام هو دين العدالة الاجتماعية لأن الإسلام حينما نادى بالزكاة، معنى هذا ، أن الإنسان أو الفرد يدفع 2.5% من أمواله للشعب وللدولة ، إذن هذه هى العدالة الاجتماعية ، وهذه هى الاشتراكية " الخطاب السابق .
وفى موضع آخر يرى أن الإسلام فى " القرون الوسطى حقق أول تجربة اشتراكية فى العالم " لهذا خلص عبد الناصر إلى " لم تكن الرجعية أبداً هى شريعة الله " خطابه بتاريخ 22/3/1966 .
**********
خلاصة القول فى مجال مدركات عبد الناصر للإسلام ومحددات النظرية الناصرية للدين يمكن إيجازها فى الآتى :
1 – أن الادراك الناصرى لعلاقة الدين بالدولة لم يخضع كما اقترح البعض لعلاقة الفعل ورد الفعل ، حيث هذه العلاقة سيطرت على بعض الفترات فقط وتحديداً فترات (1954 ، 1965 ، 1967) وأن الأكثر اتساقاً مع دور الدين فى ذلك هو الانطلاق من افتراض نسبية هذا المبدأ، ومن تكامل وحدة الادراك الناصرى منذ البداية ، وان تفاوتت واختلفت أساليب ودرجات ومستويات الطرح لعلاقة الدين بالدولة وقضاياها المختلفة .
2 – تؤكد الدراسة الموضوعية لعلاقة الدين بالدولة فى الادراك الناصرى ، من خلال مجمل المستويات التحليلية السابقة ، أن عبد الناصر كان يمتلك وحدة الإدراك واستمراريتها ، ويمتلك فى ذات الوقت تطور أسلوب طرح وإثارة العلاقة ، ظهر هذا واضحاً فى الأزمات السياسية (1954 ، 1965 ، 1967) ، وفى القضايا الاجتماعية كالتنمية ، وتطوير الأزهر والتعبئة المعنوية ، وفى القضايا السياسية كالوحدة العربية والأحلاف السياسية الخارجية ، مثل حلف بغداد والحلف الإسلامى ، فى هذه القضايا كان الإدراك للطبيعة الاجتماعية والإصلاحية للدين وللإسلام بشكل محدد ، واحدا طيلة الحقبة الناصرية بعمق قضاياها ، وكان التنوع والاختلاف فى درجة وتوقيت وأسلوب تقديم وطرح هذه الطبيعة المدركة .
3 – من خلال اعتماد الدراسة على منهج الادراك ، وتحليل المضمون الكيفى لوثائق وكلمات عبد الناصر وربطها بالمتغيرات السياسية والاجتماعية المحيطة نرى الآتى :
أ – أن الدين فى ادراك عبد الناصر تجاه الأيديولوجية القومية مثل منطلقاً نحو بناء هذه الأيديولوجية بمفاهيمها الثلاثة : القومية العربية ، الأمة العربية ، الوحدة العربية ، ولم يمثل أيديولوجية قائمة بذاتها .
ب – أن الدين فى الادراك الناصرى يمثل عنصراً مؤثراً فى عملية التعبئة السياسية للجماهير وخاصة وقت الأزمات السياسية أو الاجتماعية .
ج – أن الدين لدى عبد الناصر مثل عنصراً أصيلاً من عناصر التحول الثقافى والاجتماعى نحو التنمية الشاملة ، لافتراض وجودها فى مجتمع نام ذى ثقافة تقليدية .
د – لعب الدين فى مجال الصراع الخارجى دوراً أصيلاً فى مجال تعبئة الجماهير ، وبالأخص قطاع الجنود ، مما حدا بعبد الناصر الى اعتبار الدين عنصراً هاماً من عناصر الصراع الخارجى لخلق التكتل القومى من الجماهير المسلمة ، ولمواجهة تحركات الرجعية العربية وأحلافها ، وان كان عبد الناصر لم ينظر إلى الصراع مع إسرائيل على أساس أنه صراع دينى يستلزم مواجهة بين الجماهير المسلمة واليهود ، بل هو صراع قومى بالأساس .
عبد الناصر والإسلام (3/5)
بقلم: الأستاذ دكتور رفعت سيد أحمد - 23 يوليو, 2010

كان لعبد الناصر ، ولثورة يوليو ، رؤية متقدمة للإسلام ، طبيعة ودوراً ، وأثبتت الدراسات والوثائق الناصرية ذلك ، ولكن كيف ترجمت (الناصرية) هذه الرؤية فى الواقع المصرى إبان الخمسينات والستينات ؟ ذلك ما تجيب عليه السطور القادمة .
* يحدثنا التاريخ أن النظام السياسى الناصرى ، قبل وأثناء وبعد صدامه الأول (1954) والثانى (1965) مع الاخوان المسلمين كانت له استراتيجية دينية (إن جازت العبارة) فى التعامل مع المؤسسات الدينية الكبرى كالأزهر والكنيسة والطرق الصوفية ، استراتيجية تقوم على الاحتواء والتطوير ، وتوازى مع هذه الاستراتيجية قيام النظام بإلغاء بعض القوانين والهيئات من قبيل إصداره للقانون رقم 462 لسنة 1955 الخاص بإلغاء التقاضى امام المحاكم الشرعية والمجالس الملية القبطية ، وقانون إعادة تنظيم الأزهر رقم 103 لسنة 1961 وأخيراً قانون إلغاء الوقف الأهلى عام 1955 الذى تم تبريره بدعوى استثمار الامكانات والأراضى غير المستغلة ، وتحويلها إلى أعمال التنمية وخاصة مشاريع الإسكان والبنوك وغيرها .
إنشاء مؤسسات جديدة :
ومع تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية ظهرت وظائف جديدة ومهام جديدة شعر النظام السياسى أن المؤسسات الدينية القائمة غير قادرة على الوفاء بها ، ومن ثم استلزم الأمر إنشاء هيئات مستحدثة للوفاء بها ، من أول هذه الهيئات / المؤتمر الإسلامى الذى أنشىء بعد لقاء عبد الناصر بالملك سعود عام 1954 ، واختير أنور السادات سكرتيراً عاماً له ، وكان من نشاطه توثيق العلاقات بين مصر والمنطقة العربية والإسلامية وتأكيد البعد الإسلامى فى سياسة مصر الخارجية وفى مواجهة سياسة الأحلاف التى كانت قد بدأت فى الظهور بعد ذلك على شكل حلف بغداد .
ثم أنشىء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى عام 1960 وامتد نشاطه إلى جميع أرجاء العالم الإسلامى والوطن العربى بهدف التعريف بالإسلام وإحياء التراث الإسلامى وقد نشر المجلس موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامى وأصدر سلسلتين شهرياً الأولى (دراسات فى الإسلام) ، والثانية (كتب إسلامية) ، كما أصدر أيضاً مجلة شهرية باسم (منبر الإسلام) باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والأسبانية ولقد جمع المجلس القرآن جمعاً صوفياً ، وأوفد بعثات الوعظ والإرشاد وتعليم اللغة العربية وساهم فى إنشاء المراكز الإسلامية فى أماكن عدة من العالم .
وابتداء من يونيو عام 1960 وحتى يوليو 1960 – فقط تم توزيع أربعة ملايين نسخة من المطبوعات على العالم الإسلامى وثمانية آلاف نسخة من القرآن المرتل وسبعمائة ألف اسطوانة صلاة فضلاً عما تم توزيعه داخل البلاد " وتم تقسيم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية إلى عدة لجان هى : لجنة التعريف بالإسلام ، ولجنة إحياء التراث الإسلامى ولجنة الخبراء ثم لجنة احياء مصادر وكتب السنة ، فاللجنة العلمية للقرآن والسنة وأخيراً لجنة تجديد مبادىء الشريعة الإسلامية .
من الناحية السياسية استخدمت الدولة المجلس لأداء دورين : أولهما : أن يكون بمثابة اللسان الإسلامى باسم الثورة فى الخارج والقيام بوظيفة اتصالية وإعلامية بين الثورة والبلاد الأخرى، وثانيهما : إضفاء التبرير الإسلامى على أنشطة الدولة داخلياً ، لذلك كان المجلس يخضع بشكل مباشر لرئاسة الجمهورية ، ولم يكن انتماؤه لوزارة الأوقاف إلا اسماً ، ولعل فى تولى أحد الضباط الأحرار وأحد أعضاء مجلس قيادة الثورة لرئاسة المجلس ما يشير إلى دلالته السياسية الرسمية ، كما تتبدى الأهمية السياسية لهذا المجلس فى الكتب والمؤلفات الإسلامية والسياسية التى أصدرها ، والتى عبرت عن الطبيعة الفكرية التى سيطرت على المجلس فى هذه الفترة من فترات المد الثورى ، وهذا يدلل على كيفية استخدام النظام السياسى للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية كأداة سياسية تخدم أهدافه التحديثية والثورية .
3 – التوجيه السياسى للمؤسسات القائمة ، فقامت الدولة بهذا الدور مع الطرق الصوفية – التى سيرد الحديث عنها لاحقا – ومع البرامج الدينية فى ميادين الثقافة وأجهزة الإعلام وأيضاً إعادة التوجيه الفكرى لأئمة المساجد وخاصة فى خطب الجمعة من خلال وزارة الأوقاف ، فبالنسبة للبرامج الدينية فى ميادين الثقافة وأجهزة الإعلام فقد تمت على مستوى الإذاعة الدينية ومستوى المجلات والجرائد والنشرات ، ثم على مستوى المحاضرات والاجتماعات الدينية الرسمية ، فقامت الدولة بإنشاء محطة خاصة بالقرآن الكريم بدأت إرسالها فى 31/3/1964 ، واستمر معدل ارسالها من 64/1965 حتى 66/1967 بمعدل 14 ساعة يومياً ، كما أذيعت برامج دينية خاصة ، وشارك المسئولون فى الأعياد وصلوات الجمعة فى المناسبات الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحى والمولد النبوى الكريم وفى الاحتفالات والمواكب الرسمية .
**********
وفى رأى البعض كان الهدف من وراء هذا السلوك هو إضفاء الشرعية الدينية على القيادة السياسية بمشاركتها للجماهير فى شعائرها الدينية ويدللون أيضاً على هذا بنماذج عديدة مثل إنشاء دور القرآن وعلى مستوى الدوريات والنشرات ساهم النظام السياسى فى خلق ما يمكن تسميته بالقطاع العام الثقافى حيث أنشىء عديد من دور النشر التى تولت نشر التراث الإسلامى كالدار القومية للطباعة والنشر ، كما خصصت الصحف اليومية صفحات خاصة للدين من كل أسبوع وهو التقليد الذى استمر بعد ذلك .
وعلى مستوى الاجتماعات الدينية الرسمية قام مكتب الشئون الدينية بالاتحاد الاشتراكى العربى بمهمة مماثلة ، وتمثلت فى اعداد البحوث المختلفة عن العلاقة بين الدين والاشتراكية من النواحى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حتى يقتنع كل فرد بأن الاشتراكية لا تتنافى مع تعاليم الإسلام ، وكذلك التصدى لمن يستخدمون الدين فى نقد التطورات الثورية التى أحدثها النظام الناصرى .
وفى مجال التوظيف السياسى – أيضاً – كان المكتب يعقد اجتماعات أسبوعية مع علماء الإسلام من مفتشى المساجد وأئمتها ورجال الوعظ والإرشاد ومشايخ أروقة البحوث الإسلامية والمهتمين بالمسائل الدينية من أساتذة الجامعات وغيرهم من العلماء والمثقفين ورجال الدين المسيحى وذلك لشرح المفاهيم الاشتراكية والتنموية والرد على معارضيها ، كما كان المكتب يعقد اجتماعات عامة بأكبر عدد ممكن من علماء المسلمين ورجال الدين المسيحى ، بالإضافة إلى عدة اتصالات فردية عن طريق زيارات لكبار رجال الأزهر والأوقاف والبطريركية القبطية وبعض الجمعيات الإسلامية واتجه المكتب إلى تنظيم المحاضرات وتوزيع النشرات التى تربط بين الدين وقضايا المجتمع بوجه عام ، وكان يركز على المناسبات الدينية الهامة لتنظيم هذه المحاضرات .
أما بالنسبة للتوجيه الفكرى لأئمة المساجد فيلاحظ فى الفترة الناصرية زيادة اهتمام الدولة بإنشاء المساجد التى وصل عدد ما أنشىء منها بعد قيام الثورة من خلال وزارة الأوقاف إلى 1500 مسجد جديد ، وفى مجال التوجيه السياسى للأئمة قامت الوزارة بإرسال نماذج من الخطب الدينية إلى أئمة المساجد بهدف الإشراف الفكرى على دور العبادة بحكم تأثيرها المباشر على قطاعات عريضة من المواطنين وكان يغلب على هذه الخطب نوعان من الموضوعات : الموضوعات التقليدية مثل الطهارة ، والصلاة والإيمان ، والموضوعات السياسية ذات الصلة بالمعارك السياسية وقضايا التنمية التى يواجهها المجتمع .
واتجهت الإدارة العامة للدعوة بوزارة الأوقاف أيضاً إلى إصدار سلسلة دينية باسم مكتبة الإمام تتضمن نماذج من خطب الجمعة المذاعة ونشرات الدعوة الدينية كما أصدرت الوزارة عدة نشرات عن العدالة والمساواة فى الإسلام وتعبئة جميع القوى لإحراز النصر ، وقداسة العمل فى الإسلام وتأمين حقوق العاملين والإسلام والعلم ، كما قامت الوزارة بإصدار نشرات خاصة أخرى عن الثورة فى الإسلام وعن الشورى ومن الملاحظ زيادة الموضوعات ذات الطبيعة الثورية فى الفترة من 1958 حتى 1967 ، وامتلأت نشرات وزارة الأوقاف ونشرة الاشتراكى التى كانت تصدر عن أمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكى بهذا النمط من الموضوعات الدينية ، ولكن بعد عام 1967 غلبت على الخطب والتوجيهات الخاصة بها سمة الروحانية والاعتدال ووجود نوع من النقد الذاتى للمرحلة السابقة ، وغيرها من المفاهيم العامة التى تأثرت بأحداث الهزيمة .
ويتضح من هذا العرض للخصائص العامة التى ميزت سياسة الدولة تجاه المؤسسات الدينية الرسمية أن هذه السياسة تراوحت بين إلغاء بعض هذه المؤسسات وتطوير البعض الآخر ، ثم إنشاء مؤسسات جديدة ، وأخيراً توجيه أدوات الإعلام المختلفة بما يتمشى مع التوجهات الداخلية والخارجية للنظام ، وهى الصورة التى تتضح أكثر بتفصيل كل ما سبق فى المحاور التالية :
الأول : قانون إلغاء التقاضى امام المحاكم الشرعية والمجالس الملية .
الثانى : قانون تطوير الأزهر رقم 103 لسنة 1961
الثالث : علاقة النظام السياسى بالطرق الصوفية .
*****
إلغاءالتقاضى امام المحاكم الشرعية والمجالس الملية القبطية
ترتب على الرغبة فى التجديد لدى النظام السياسى فى مصر خلال السنوات الأولى من الفترة موضوع البحث مجموعة من التحولات السياسية والاجتماعية الهامة والتى كان منها إلغاء التقاضى امام المحاكم الشرعية والمالية بالقانون رقم 462 لسنة 1955 وإحالة الدعاوى التى تكون منظورة أمامها إلى المجالس الوطنية وذلك تأكيداً لمفهوم التكامل القومى ولتذويب عدد من المؤسسات التقليدية التى كانت تعوق عملية التوحد القومى ، بين الطائفتين الرئيسيتين فى المجتمع المصرى : المسلمين والأقباط ، ولقد صدر القانون فى سبتمبر عام 1955 عن مجلس قيادة الثورة ، وسوف يتم تناوله فى بندين أولهما يتصل بتحليل لمضمون القانون وثانيهما بالتبرير الرسمى له :
 تحليل القانون : يمكن تحليل القانون من خلال ثلاث زوايا ، الزاوية الأولى : وتتعلق بعملية الإحالة للقضايا القديمة التى كانت منظورة أمام هذه المحاكم والتى تنتهى فاعليتها فى نهاية ديسمبر 1955 ، فلقد رتب نص الإلغاء للمحاكم الشرعية والمجالس المالية فى المادة 1 من القانون ضرورة أن تحال الدعاوى التى تكون منظورة أمام محكمة الاستئناف الوطنية التى تقع فى دائرتها المحكمة الابتدائية التى أصدرت الحكم المستأنف إلى محكمة وطنية وتؤكد هذا أيضاً مادة 2 منه .
كذلك تحال – وفقاً للمادة 3 – القضايا التى تكون منظورة أمام المحاكم الكلية الى المحكمة الابتدائية الوطنية المختصة وتحال الدعاوى المنظورة أمام المحاكم الجزئية الشرعية أو الملية إلى المحاكم الجزئية أو الابتدائية الوطنية المختصة ، أى أن الاختصاص الذى ترفع إليه هذه الدعاوى يصير إلى المحاكم الوطنية ابتداء من أول يونيو 1956 (مادة 3) .
أما الزاوية الثانية : فتتصل بأحكام نظام المرافعات واختصاصات المحاكم الوطنية فبالنسبة لأحكام قانون المرافعات نص القانون على ضرورة اتباع ذات الإجراءات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية والوقف التى كانت من اختصاص المحاكم الشرعية أو المجالس الملية عدا الأحوال التى وردت بشأنها قواعد خاصة فى لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أو للقوانين الأخرى المكملة لها (مادة 5) .
وبالنسبة لأحكام المنازعات فينص القانون (مادة 6) على أن تصدر الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقف التى كانت أصلاً من اختصاص المحاكم الشرعية طبقاً لما هو مقرر فى المادة 280 من ترتيب المحاكم المذكورة ، وبالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدى الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون فتصدر الأحكام فى نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم ويفصل القانون هذا الجانب من فض المنازعات والمتعلق بغير المسلمين بقوله : " لا يؤثر فى تطبيق الفقرة الثانية من المادة المتقدمة تغيير الطائفة أو الملة بما يخرج أحد الخصوم عن وحدة طائفية إلى أخرى أثناء سير الدعوى إلا إذا كان التغيير إلى الإسلام فتطبق الفقرة الأولى من المادة السادسة من هذا القانون (مادة 7) .
ويفصل القانون اختصاص المحاكم الجزئية الوطنية بنصه فى (مادة 8) على أن هذه المحاكم تختص بالمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية طبقاً لما هو مبين فى لائحة ترتيب المحاكم عدا دعوى النسب فى غير الوقف والطلاق والخلع والمبادأة والفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها المشار إليها فى المادة السادسة من اللائحة فإنها تكون من اختصاص المحاكم الابتدائية وتختص المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف وفقاً لما هو مبين فى المواد 8 ، 9 ، 10 من اللائحة .
الزاوية الثالثة : وتتعلق بأوضاع القضاة والمحامين داخل هذه المحاكم حيث ينص القانون على انه ابتداء من يناير 1656 يلحق قضاة المحاكم الشرعية على اختلاف درجاتهم بالمحاكم الوطنية أو نيابات الأحوال الشخصية أو الإدارات الفنية بالوزارة وذلك بقرار يصدر من وزير العدل ويصدر قانون خاص بتنظيم شئون رجال القضاء الشرعى المنقولين إلى المحاكم الوطنية (مادة 9) .
أما بالنسبة للمحامين فنص على أنه : استثناء من أحكام القانون رقم 98 لسنة 1944 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الوطنية يجوز للمحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الشرعية الحضور فى الدعاوى التى كانت تدخل فى اختصاص تلك المحاكم – أمام المحاكم الوطنية على أن يقتصر حضور كل منهم على الدرجة التى هو مقبول للمرافعة أمامها فى المحاكم الشرعية وللمحامين المقبولين أمام المحكمة العليا الشرعية المرافعة أمام محكمة النقض أيضاً فى الدعاوى المشار إليها ، ويصدر قانون خاص بتنظيم قيدهم فى الجدول وحقوقهم وتأديبهم وما إلى ذلك (مادة 10) .
ونص القانون على وجود تنفيذ الأحكام الصادرة فى مسائل الأحوال الشخصية وفقاً لما هو مقرر فى لائحة الإجراءات الواجبة اتباعها فى تنفيذ أحكام المحاكم الشرعية فى أبريل 1907 (مادة 12) ، كما نص على إلغاء كافة التشريعات التى سبقته بخصوص هذا الموضوع (مادة 13) وتنفيذ الوزراء كل فيما يختصه من هذا القانون (مادة 14) .
التبرير الرسمى للقانون : ان تحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية التى عاشتها مصر إبان إصدار هذا القانون ، يشير بأن صراعاً على السلطة كان قد حسم إلى أحد فريقى الثورة بعد ثلاث سنوات من قيامها وهو الفريق الذى يتزعمه عبد الناصر وأن صراعاً آخر مع قوة سياسية مناوئة هى الإخوان المسلمين قد حسم لصالح نفس الفريق ، وأن عملية الجلاء للقوات البريطانية كانت على وشك الانتهاء وإرهاصات المواجهة مع الغرب من خلال الحديث عن صفقة تشيكية للأسلحة وعن احتمالات تأميم شركة قناة السويس ، كانت قد بدأت فى الظهور .
وفى ضوء هذه التطورات والأوضاع المتصاعدة أتى القانون السابق ليقدم نفسه كتطور سياسى هام فى سياق الأوضاع المحيطة ، حيث عبر عن ثلاثة توجهات وأهداف وطنية تضمنها التفسير الرسمى للقانون فى شكل مذكرة ايضاحية سيقت كمبرر لقانون الإلغاء ، وهذه الأهداف هى تأكيد سيادة الدولة الوطنية ، ووحدة النظام القانونى الكاملة ، وإصلاح الأخطاء والعيوب التى لحقت بنظام القضاء .  
عبد الناصر والإسلام (4/5)
بقلم: الأستاذ دكتور رفعت سيد أحمد - 23 يوليو, 2010


العهد الناصرى ، يدرك قيمة الأزهر ودوره ، وكان يرغب أيضاً فى تطوير هذا الدور بما يخدم رسالته تجاه الأمة العربية والإسلامية ، ولذلك أصدر القانون (رقم 103) الخاص بإعادة تنظيم الأزهر فى 22/6/1961 ، وحرص عبد الناصر على أن يضع الأزهر فى منزلته التى تليق به سواء على مستوى (الدور) أو (المكانة) ؛ صحيح كانت ثمة سلبيات وأخطاء كبرى عند تطبيق قانون التطوير ، إلا أن فلسفته كانت فى المجمل لصالح الأزهر، وكانت تستهدف إحياء دوره بعد أن كان قد قتل – تقريباً – فى عهد الملكية قبل الثورة ، وفى هذا السياق يحدثنا التاريخ أن الأزهر دخل دائرة الاهتمام السياسى للنظام الجديد منذ الأيام الأولى له ، فنجد الأزهر يطالب باسترداد ثمن الهدايا التى أعطيت للملك السابق ، ونلمح تغييرات مباشرة فى مشيخته ، فيقال الشيخ عبد المجيد سليم ، ويعلن الشيخ الجديد عن تغيير وبرنامج شامل لإصلاح الأزهر ويبدأ دور الأزهر السياسى مع النظام الجديد ، فتتغير القيادات أكثر من مرة ، ويتولى عبد الرحمن تاج مشيخة الأزهر خلفاً للخضر حسين ، ويقال عبد اللطيف دراز ويتولى صالح موسى شرف سكرتير الأزهر بدلاً منه ، ويواكب تغيير القيادات، تغير آخر مقابل فى الاتجاهات والأدوار التى تناط بالأزهر وعليه يلاحظ أنه فى عنف الأزمة التى يواجهها النظام السياسى ، وصراع السلطة بين محمد نجيب وعبد الناصر يصدر شيخ الأزهر فتوى تقول بأن " الزعيم الذى يتعاون ضد بلاده ويخذل مواطنيه فإن الشريعة تقرر تجريده من شرف الوطن " ، وعليه تتجه السلطة الجديدة بالمقابل إلى اعلان إنشاء معاهد دينية جديدة للأزهر وإلغاء قيود ووظائف الوعاظ والمراقبين والمدرسين وزيادة ميزانية الأزهر .
ويتطور دور الأزهر ليتواكب مع الأحداث السياسية الهامة التى تعيشها مصر ، ليعلن تأييده لاتفاق الجلاء وللرئيس عبد الناصر ، ويؤكد " أن صلابة وحدتنا على النضال والتضحية أخضعت المستعمر " ويتجادل دور الأزهر مع الأحداث السياسية داخل مصر ليعلن فى 15/2/1955 ، أول تعديل فعلى لقانون الأزهر بعد الثورة ، وهو الخاص بتعديل المواد 75 ، 76 ، 104 من القانون الخاص بإعادة تنظيم الجامع الأزهر والتى تقضى بالتيسير على طلاب امتحانات النقل فى الأقسام الابتدائية والثانوية والخاصة بنشر الدعوة الإسلامية فى دول العالم ، وواكب هذا التعديل تعيين الشيخ محمود شلتوت وكيلاً للأزهر ثم شيخاً له ، وتعيين كمال الدين رفعت وزيراً لشئون الأزهر والمعاهد الدينية ، وكان هذا قمة التشابك بين دور الأزهر السياسى ورغبة النظام السياسى فى الإشراف عليه .
وعلى المستوى الفكرى هيأت ساحة العمل السياسى والفكرى لاستقبال قانون إعادة تنظيم الأزهر بسلسلة من المقالات حول الأزهر ، بدأها الشيخ أحمد الشرباصى بمقال شامل فى الأهرام 3/11/1958 يطالب فيه بضرورة إحداث ثورة فى الأزهر وما حول الأزهر ، ويرد عليه الشيخ عبد الحكم سرور بأن هناك فعلاً ثورة داخل الأزهر ، وبأن الأمل كبير فى رجال النهضة الحديثة فى جمهوريتنا العربية فى ألا يتخلف أساتذة الأزهر وموظفوه عن أقرانهم فى أية وزارة أو مصلحة ، ثم دعوة صريحة بضرورة الالتفات إلى وضع المرأة فى الأزهر وإلى موقف الأزهر ورجاله وقوانينه منه ، وضرورة تغييرها جميعاً حتى نسمع أنهم لم يعودوا يرون فى " دخولنا الأزهر طالبات أو محاضرات أو مدرسات ، إلا احياء لسنة كريمة وتقاليد راسخة " والقول للدكتورة بنت الشاطىء فى الأهرام 17/11/1959 ، ويعلن بالأزهر بعد ذلك عن أن الأزهر سوف يدخل ميدان الفن ، حيث يقدم 70 فناناً أزهرياً عروضهم الفنية فى متحف الفن ، ويعلن أيضاً انتساب أول طالبة أمريكية مسلمة إلى الأزهر ثم تبدأ نغمة التغيير فى الظهور تدريجياً ، والاقتراحات تتزايد من قبل لجنة الشئون الدينية للأزهر ، وهى لجنة متفرعة من اللجنة الفنية الدائمة للمقترحات فى الاتحاد القومى ويرأسها كمال رفعت ، ثم يعلن قبل قانون اعادة التنظيم بأيام قليلة عن فتح الأزهر أبوابه لقبول الفتاة وتعيين المدرسات فى هيئة تدريس الفتيات وتخصص فصول خاصة بهم ثم تنظم دراسات لرجال السلك السياسى وحملة المؤهلات العليا .
وكانت جميعها تغييرات مهدت لاعلان النظام السياسى لقراره فى يونيو 1961 بالقانون الجديد لإعادة تنظيم الأزهر .
ثورة القانون
أما قانون إعادة تنظيم الأزهر رقم 103 : فى 22 يونيو 1961 أرسل الرئيس جمال عبد الناصر إلى رئيس مجلس الأمة خطاباً كان نصه " أرسل إليكم صورة من مشروع القانون الخاص بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها لعرضه على مجلس الأمة لنظره على وجه الاستعجال .
وبالإضافة إلى المقدسات السياسية والفكرية التى سبقت إرسال هذه الرسالة وتمرير القانون فى نفس الجلسة يلاحظ أنه فى هذا التوقيت كانت مصر تستعد لاستقبال مرحلة هامة من تاريخها ، حيث فى 28 سبتمبر من ذات العام حدث الانفصال بين سوريا ومصر ، وفى يوليو من نفس العام أصدرت الثورة قوانينها الاشتراكية ، وبعد أقل من عام صدر الميثاق الوطنى فى مايو 1962 ، أى أن المناخ السياسى العام كان يدفع البلاد دفعا إلى مزيد من الخطوات الثورية ، وفى اتجاهات متعددة ، بهدف تطوير المؤسسات القديمة وخاصة المؤسسات الدينية، وخاصة والخصم التقليدى للنظام السياسى على الساحة الدينية لم يكن موجوداً يومها ، وهو الإخوان المسلمين ، وعليه أتى الأزهر فى مقدمة هذه المؤسسات .
وحول الشكل العام للجلسة التى نوقش فيها مشروع القانون يقول الأستاذ / فتحى رضوان فى مقابلة شخصية معه " لإجبار المجلس على الموافقة حضر رجال الثورة وجلسوا أمامنا على المنصة ، وتحديداً كان على المنصة : أنور السادات وكمال الدين حسين وكمال رفعت وعلى يساره اثنين من رجال الأزهر هم محمد البهى ونور الحسن " ويقول أيضاً " وهدد أنور السادات المجلس عندما علت أصوات تعارض المشروع قائلاً : كانت فى 23 يوليو 1952 ثورة والذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام ، واليوم ثورة جديدة وسيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير " .
ويلاحظ أنه قد تغيب عن هذه الجلسة 179 عضواً أى حوالى 49% من أعضاء المجلس وتوزعوا على النحو التالى : 42 عضواً غائبين بأجازة ، 89 عضواً معتذرون ، 48 عضواً غائبون بغير أجازة وهو الأمر الذى يعطى دلالة أخرى حول وجود معارضة من بين أعضاء المجلس لهذا المشروع ، ومن حيث المبدأ ، لم يوجد بين الأعضاء الذين حضروا الجلسة من اعترض وفقاً للوثائق الرسمية سوى النائب / صلاح سعدة ، وتقول الرواية الرسمية أن الخلاف بين الأعضاء كان حول كيفية الموافقة على المشروع : هل تكون بقراءة أرقام المواد أم نصها ، وأن رئيس المجلس بالنيابة الذى كان وقتها محمد فؤاد جلال وكيل المجلس أمر بتشكيل لجنة خاصة لتقديم تقريرها حول هذا المشروع تمهيداً لإصداره ، نظراً لعدم وجود لجنة مختصة بشئون الأزهر والمعاهد الدينية ، ولقد قدمت اللجنة تقريراً لم يختلف فى شىء عن النص الأصلى للمشروع .
المضمون والأهداف
أما من حيث مضمون القانون فقد حدد الهدف من التطوير بأنه إلغاء مواد وأحكام القانون رقم 26 لسنة 1936 الخاصة بإعادة تنظيم الجامع الأزهر والقوانين المكملة له والخاصة بإعطاء درجة من الاستقلالية لهذه المؤسسة الدينية ، ثم يلى الإلغاء استبدالها بأحكام جديدة تعطى للدولة سيطرة أكبر على هذه المؤسسة (مادة 1) ، وقد تمثل مضمون التطوير تعريف الأزهر بأنه الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التى تقوم على حفظ التراث العلمى والفكرى للأمة العربية وإظهار أثر العرب فى تطور الانسانية وتقدمها (مادة 2) وأدخل التطوير أشكالاً وتنظيمات جديدة على الأزهر كان أهمها :
- المجلس الأعلى للأزهر .
- المجمع العلمى للدراسات الإسلامية .
- جامعة الأزهر .
- إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية .
- المعاهد الأزهرية (مادة 8) .
ويفصل القانون مهام هذه الهيئات مؤكداً على طريقة إدارتها واختيار أعضائها وقياداتها ، وربطها بعملية التنمية والتغير الاجتماعى التى يعيشها المجتمع المصرى (المواد من 9-101 شاملة الباب الثانى حتى الباب السادس) ، وكان لهذا التطوير دلالته السياسية الهامة من حيث تأكيده لسيطرة الدولة على الأزهر وتبدت سيطرة الحكومة فى العديد من النواحى :
أ – يعين لتصريف شئون الأزهر وزير بقرار من رئيس الجمهورية (مادة 3) ، ولهذا الوزير الحق فى أن يطلب إلى المجلس الأعلى للأزهر أو الإدارات أو الهيئات أو اللجان الفنية المختلفة التابعة له بحث موضوعات معينة لإبداء الرأى فيها أو اتخاذ قرار بشأنها كما أن له كل السلطات المخولة للوزراء فيما يتعلق بشئون الأزهر وهيئاته المختلفة (مادة 3) .
ب – قصر دور شيخ الأزهر على الشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام وله الرياسة والتوجيه فى كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية فى الأزهر وهيئاته ، ويرأس المجلس الأعلى للأزهر (مادة4) .
ج – أعطى القانون رئيس الجمهورية حق تعيين شيخ الأزهر : سواء من بين هيئة المجمع العلمى للدراسات الإسلامية أو ممن تتوافر فيهم الصفات المشروطة فى أعضاء هذه الهيئة ، وان كان من قبل تعيينه ليس عضواً فى تلك الهيئة ، صار بمقتضى هذا التعيين عضواً فيها (مادة 5) .
د – أعطى القانون أيضاً لرئيس الجمهورية الحق فى اختيار وكيل للأزهر من بين هيئة المجمع العلمى للدراسات الإسلامية أو ممن تتوافر فيهم الصفات المشروطة لأعضاء هذه الهيئة وإن كان قبل تعيينه ليس عضواً فى هيئة المجمع صار بمقتضى هذا التعيين عضواً فيها ، والوكيل يعاون شيخ الأزهر ، ويقوم مقامه حين غيابه (مادة 7) .
تقديم قانون إعادة تنظيم الأزهر :
بداية يجب التأكيد أن هذا القانون لم يأت منفصلاً عن عدة تطورات سياسية ودينية قدمت له – كما سبق القول – وكان أهمها الرغبة فى إعادة ترتيب البيت المصرى من الداخل وإعادة توظيف دور المؤسسات الدينية التقليدية فى ضوء عملية التغير الاجتماعى التى زادت نغمتها مع بداية الستينات وعليه فإن عملية تقييم لقانون إعادة تنظيم الأزهر ينبغى أن تثير النقاط التالية :
1 – يمكن النظر إلى موقف النظام السياسى الناصرى من المؤسسات الدينية الرسمية على أنه كان جزءاً من موقف أشمل يتصل برؤية النظام لعلاقة الدين بقضايا المجتمع الحيوية والوظيفية التى يقوم بها فى مجال التنمية ، ومنذ سنوات الثورة الأولى تحدث عبد الناصر عن الدين فى صورة التسامح والاعتدال وفى اطار من الوطنية التى تفرض على الجميع الولاء للنظام والتفانى فى خدمة المجتمع ، ولم يكن حديث عبد الناصر عن الدين حديثاً عن الدين والعقيدة فى ذاتها ، وانما فى إطار الإصلاح وإثارة الحس الوطن الجديد ففى 18 أبريل 1953 يتحدث فى المعهد الدينى بالاسكندرية مذكراً رجال الدين بدورهم فى الماضى فى رفع شعار الحرية والجهاد ضد الاستعمار ودعاهم إلى التعاون مع رجال الجيش لاستئناف الجهاد حتى تنال مصر حريتها واستقلالها " فلتضعوا أيديكم فى أيدينا ولنجاهد معاً فى سبيل تحرير مصر فإن لكم رسالة عظمى ، أننا لن نسمح بعد اليوم للفساد ، أن يقوم ولن يسمح رجال الدين أن يقوم فى مصر فساد أو طغيان " وناشد فى مناسبات تالية رجال الأزهر خصوصاً بالاضطلاع بدور بارز فى مشروعات الإصلاح الجديدة ، حيث يقول عبد الناصر فى هذا الشأن " رسالة الأزهر ليست فى مصر ، وليست فى الأزهر ، وإنما فى القرى والنجوع والتجمعات لتنصحوا ولترشدوا وهذه الدعوة وهذا الإرشاد يجب أن يكون بيننا بدلا من أن نشكو من الاستعمار ولا يمكن أن نلقى العبء على الحكومة وحدها انما نحتاج إلى جهود رجال الأزهر " خطابه بتاريخ 18/4/1953 .
2 – فى اطار هذه الرؤية لعبد الناصر ، كان الأزهر وباعتباره أكبر المؤسسات الدينية فى مصر والعالم الإسلامى يحتاج إلى تدخل لإصلاحه حتى يتم ربطه بالاتجاهات الجديدة فى المجتمع وبدأ بعض رجال الدين الموالين للثورة يتحدثون عن سوء الأحوال داخل الأزهر من حيث برامجه العلمية ونظامه الإدارى وامكانات التعليم فيه مثل أحمد عبده الشرباصى والدكتورة بنت الشاطىء التى طالبت بدخول المرأة الأزهر طالبة أو محاضرة أو مدرسة . وبناء على هذا تكونت عام 1961 لجنة تفرعت عن اللجنة الفنية الدائمة للمقترحات فى الاتحاد القومى سميت بلجنة الشئون الدينية والأزهر ، وأعدت تقريراً بالتنظيمات المطلوبة وكان فى مقدمتها : إعادة التنظيم الإدارى الداخلى للأزهر بحيث يكفل تفرغ شيخ الجامع الأزهر وعلماء الأزهر لرسائلهم الدينية وتخريج العلماء وتوثيق الروابط الثقافية والعلمية فى الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية من خلال جامعة الأزهر وغيرها من التعديلات التى سبق إيضاحها والتى أتت بعد صدور القانون .
3 – بيد أن هذه التغيرات لم تكن بدون سابقة فى التاريخ المصرى ، فلقد سبق أن قام بما يشبهها ، محمد على فى بدايات القرن التاسع عشر ، حين اتخذ الأزهر كأداة للوصول إلى السلطة من خلال مبايعة عمر مكرم له ، ثم أداة لخدمة المؤسسة العسكرية ، ثم طلب من العلماء تأييد برنامجه عن طريق إصدار الفتاوى وتسويغ القرارات السياسية للدولة باستخدام الدين ، ورغم أن هذا النموذج لم يتكرر بعد ذلك كاملاً فى التاريخ المصرى إلا أننا نجد أن منصب شيخ الجامع الأزهر تعرض لعوامل الخلاف السياسى والحزبى ونزعات الملك الشخصية قبل الثورة ، وكان تعيينه يتم بأمر ملكى فى حين أن مطالب الأزهريين كانت أن يتم بالانتخاب ولم تزعن الحكومة آنذاك لمطالبهم ، وبالنظر إلى قانون 1961 يتضح أن عبد الناصر كان قد قرر أن يخضع الأزهر لسلطة الحكومة بوجه أشمل ، فهو الذى يعين شيخ الجامع الأزهر ، كما أن برامج الأزهر وإدارته ليس لها الاستقلال الكامل عن بقية جوانب السياسة العامة للدولة بل هى جزء منها وعلى الرغم من النص فى القانون السابق على أن لشيخ الأزهر السلطة الكاملة فى كل ما يتعلق بالشئون الدينية إلا أنه من الناحية العملية لم يتحقق له ذلك ، حيث كان وزير الأوقاف والأزهر أو وزير الأزهر صاحب الكلمة الأولى ، ولم يحدث فى تاريخ الفترة سوى استثناء واحد عام 1966 حين قرر عبد الفتاح حسن وزير شئون الأزهر أن تعرض جميع القرارات والمسائل الخاصة بالأزهر على حسن مأمون شيخ الأزهر آنذاك قبل عرضها عليه .
4 – ومقابل هذه القيود قامت الدولة بالعناية الملموسة بالأزهر فبعد أن كانت ميزانيته عام 1952 لا تتجاوز مليوناً و537 ألف جنيه إذ بها تصل عام 1966 إلى 3 ملايين و291 ألف جنيه وكان بالأزهر 25 معهداً دينياً وصلت فى عام 1966 إلى 37 معهداً .
وكان به 22.135 ألف طالب وصلوا فى عام 1966 أيضاً إلى 31.566 ألف طالب ، ووصل عدد المبعوثين فى الخارج إلى حوالى 200 عالم ، وبنى الأزهر مدينة للبعوث الإسلامية بتكاليف مليونى جنيه وقد يكون هذا الانفاق على الأزهر بهذا القدر ذا حدين فقد تلاشت فى ظله حرية الأزهر واستقلاله الذى تمتع به وقت أن كانت ميزانيته مستقلة نسبياً عن الدولة قبل الثورة ، وأصبح رجاله موظفين فى الدولة حريصين على المناصب الحكومية الى درجة الوزير ، وكان عليهم أن يدفعوا الثمن لهذا الدور الجديد طاعة مستمرة ، واجتهاداً دؤوباً فى استخراج ما يضفى الشرعية على سلوكيات وسياسات النظام الجديد التى كانت فى تصورنا بغير حاجة إلى اثبات شرعية لأنها استمدتها بالفعل من قبل الانجازات الحية التى أحدثتها بالمجتمع .
وأياً كان التقييم الذى يساق بشأن الإغداق المادى على الأزهر بإصدار قانون تنظيمه ، وأياً كان التقييم الذى يثار بشأن هذا القانون على وجه العموم فإننا نخلص إلى أن الهدف الأساسى للنظام من إصدار مثل هذا القانون هو ضرورة أن تتسق حركة هذه المؤسسة الدينية الهامة مع توجهات عملية التنمية بأشكالها المختلفة، أيضاً ضرورة أن تتسق حركتها مع رغبة النظام السياسى فى إعادة ترتيب البيت المصرى من الداخل وفق مفاهيمه الثورية التى بدأت فى التبلور مع السنوات الأولى للستينيات .  
عبد الناصر والإسلام (5/5)
بقلم: الأستاذ دكتور رفعت سيد أحمد - 23 يوليو, 2010


الفترة الناصرية ، هى أخصب فترات التاريخ المصرى الحديث فى مجال جدل العلاقة بين الدين (عقيدة ومؤسسات وثقافة) والدولة التى كان يقودها زعيم يتمتع بكاريزمة استثنائية لم تحدث لسلفه أو لخلفه من حكام مصر ، وفى هذه الحلقة الأخيرة ، ندرس واحد من تجليات تلك العلاقة بين الدين والدولة ، وهو علاقة النظام ورؤيته بالطرق الصوفية تلك الجماعات التى تمثل أحد أبرز قوى المجتمع الإسلامى المصرى غير السياسية ، ترى كيف كانت العلاقة وما هى أبعادها وأسرارها التى لازلنا نجهلها حتى اليوم ، رغم كثرة ما كتب عن الثورة ، وعن تلك الجماعات والطرق الصوفية .
فى البداية يحدثنا التاريخ أن الطرق الصوفية كان لها فى المجتمع المصرى عبر تاريخها الطويل ، والذى بدأ مع مقتل الإمام الحسين بن على بالعراق ورحيل أهله إلى مصر ، ونشأة المتشيعين لهم والمتباكين على مقتل الإمام الحسين ، أثر سياسى واجتماعى هام على تشكيل الشخصية المصرية وبالذات فى القرى المصرية وفى الأوساط الشعبية المصرية ، وخاصة إذا علمنا أن عددها فى مصر قد بلغ قرابة الـ 65طريقة إبان الحقبة الناصرية تحتوى 3 ملايين مواطن بالإضافة إلى الأشكال والتنظيمات المساندة لحركتها .
ولعبت الطرق الصوفية خلال القرن الماضى دوراً مزدوجاً فى قضايا الديمقراطية والاستقلال والتنمية والصراع الخارجى ، إذ تميز دورها فى أغلبه بالتبرير لسياسات الحاكم والمساندة الروحية له من ناحية ، كما تميز بكونه أداة ضابطة لممارسات السلطة وخاصة تجاه بعض الأمور الدينية كقضايا الأحوال الشخصية من ناحية أخرى ، وكان للقدرات التى تتمتع بها الطرق الصوفية فى التأثير على أتباعها وخاصة فى توجيه طاقتهم السياسية وجهة صوفية بعيدة نسبياً عن أساليب العنف والرفض التى ميزت التيارات الأخرى ، وبالأخص الإخوان المسلمين ، أثراً كبيراً فى المجتمع ، ولقد قوبلت هذه الدعوة بإقبال متزايد من الجماهير ، ويعود ذلك إلى عوامل متعددة ، تأتى فى مقدمتها المعاناة الاقتصادية والقهر السياسى ، وبعض الموروثات الثقافية القديمة منذ عهد الفراعنة ، وجميعها وجدت تجاوباً جماهيرياً مع هذه الطرق ، ويمكن تلمس أبعاد العلاقة بين النظام السياسى الناصرى والطرق الصوفية من خلال مستويين من التحليل :
الأول : فكرى ويحدد مدركات الطرق الصوفية تجاه القضايا السياسية الملحة فى هذه الفترة والتى تحدد بالتالى موقفهم الفكرى أو النظرى من النظام السياسى .
الثانى : عملى ويشير إلى المواقف العملية للطرق الصوفية خلال هذه الفترة تجاه القضايا والأزمات السياسية وقتها .
المستوى الفكرى
يمكن تلمس أبعاد هذا المستوى من خلال تحليل رؤية الطرق الصوفية لكل من القضايا الداخلية الاجتماعية والسياسية كالاشتراكية والديمقراطية والقضايا الخارجية السياسية كالقومية العربية والمواجهة مع الصراع الخارجى .
أما بخصوص القضايا الداخلية فقد كان للطرق الصوفية موقفا مؤيدا للنظام السياسى الناصرى تجاه أغلب هذه القضايا ، وإن بدا فى بعض الفترات القليلة أن للطرق الصوفية موقفها المخالف لتوجهات النظام فإن هذا لا يخفى التوجه العام الذى ميز رؤيتهم فالاشتراكية تمثل لديهم : " نوعاً من السمو بكرامة المواطنين جميعاً ، ولقد وجهت الجمهورية العربية شطراً من عنايتها لتقريب المسافات بين غنيهم وفقيرهم ، حتى يكون الجميع سواء فى حق الحياة وحتى تتوثق الرابطة بينهم ، ومن المعلوم أن هذه نقطة أساسية فى برنامج الإسلام فقد حض على البذل ووضع الثروة فى مكانها من عدد الحياة ، وحذر من كنز الأموال وسن للأغنياء السبل إلى الإيثار والإعطاء ، وأبعد عن الفقراء شعور الحرمان ومرارة العوز وجهود الخلفاء معروفة فى تعهد هذه الناحية فى الرعية " [ مجلة الإسلام والتصوف سبتمبر 1961 ] .
والاشتراكية عند الصوفية ليست دعوة إلى تقنين الالحاد أو التحلل من بعض قيمنا الخلقية والتى نعتز بها كمسلمين وكعرب بل وكبشر " فإن اشتراكيتنا مؤمنة لا ملحدة ، فاضلة لا فاجرة اشتراكية قوم يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله " وعبد الناصر لديهم هو :
" قائد البعث العربى وموجه تاريخنا ، ومحرر الشعب العربى من أسار المواريث الرجعية ومن قيود الطبقية الاستغلالية وهو الذى وقف ليعلن حق الانسان فى حياة فاضلة ، وفى عمل شريف وفى مجتمع تتكافأ فيه الفرص ، وتتساوى فيه الأقدار وتتعاون فيه الطاقات ، مجتمع يسير على تخطيط هادف وعلى منهج محدد يستهدف التوازن الاقتصادى والعدل الاجتماعى والبعث والانطلاق للقوى الشعبية العاملة " [ الإسلام والتصوف سبتمبر 1961] .
وتصل قيمة العدل لدى الطرق الصوفية إلى قمتها عندما يصبح كما يقولون هو جوهر الرسالة الإسلامية وهو مفتاح السعادة للبشر ، وهو ما يتمشى فى واقع الأمر مع رؤية النظام السياسى وقتها ، وأشارت الكتابات إلى قضية التعليم ، وضرورة التربية للطلاب ، وأن تحتوى المناهج التعليمية على الجرعة الدينية الكافية ، وهنا تطالب للطرق الصوفية بأن على (" السادة المربين أن يوجهوا نظر تلاميذهم إلى الأنوار المتلالئة فى آيات القرآن الكريم ، وأن يعلموا تلاميذهم أن كتاب الله كتاب هداية ربانية وحياة إنسانية إيجابية مثالية) والحديث لشيخ مشايخ الطرق الصوفية محمد علوان فى [ عدد ديسمبر 1960 من الإسلام والتصوف ] .
وواجب طالب العلم فى أدب الطرق الصوفية أن ينظر للعلم نظرة تقديس وإجلال واحترام وأن يعلم أن العلم جهاد للكمال وأن طاعة الله تعين على العلم وأن رياضة الروح تفتح عين القلب، وعين العقل ، وأن العلم إذ وصل الى نفس شريرة غدا شراً على نفسه وعلى الانسانية كافة ، فالعلم فى الإسلام ليس بمهنة أو حرفة أنه رسالة ولهذه الرسالة أهداف إنسانية ، وطلب العلم فى نظر الإسلام جهاد فى سبيل الله .
ويلاحظ على موقف الطرق الصوفية من قضية التعليم أنها تعمدت إغفال دور الدولة ، وركزت الحديث على طلب العلم وعلى المعلم ، وعلى رسالة العلم ، أما دور النظام السياسى فى هذه العملية ، فلم تشر إليه أدبيات الصوفية ، ولقد واكب الدعوة للعلم هذه دعوة موازية إلى تخليص المجتمع من الخرافات ، وبالأخص تخليص الطرق الصوفية مما علق بها من شوائب ودعوات لأتمت إلى صلب منهجها بصلة .
الحاكم والمحكوم
أما بخصوص علاقة الحاكم بالمحكوم فتشير بعض الكتابات الصوفية خلال هذه الفترة أنه قد بنى الحكم فى الإسلام وفق أسس واضحة :
" بنى الحكم فى الدولة الإسلامية على أساس العدل والمساواة وأن يكون اختيار الحاكم على أساس الشورى وحكمه على أساس الشورى ، كما أن على الحاكم أن يلاحظ مصلحة الجماعة المادية والأدبية فلا يرهق أحداً من أمره عسراً ، ودعا إلى رفق الوالى والمفاسد .. وهكذا نجد تلك النصوص قد أقامت المجتمع فى الدولة الإسلامية التى تضم المسلم وغير المسلم على أساس من العدالة والرفق والشورى والمصلحة والتعاون ومنع الفساد والآثام التى تفتك بالمجتمع " [ مجلة الإسلام والتصوف ديسمبر 1960 ] .
وهى ذات الدعوى التى طالبت بها الطرق الصوفية عند الحديث عن وضع الدستور الجديد حيث ينبغى أن ينص الدستور على أن يكون مصدر قوانيننا وتشريعاتنا الإسلام وما يتلاءم مع أهدافه وغاياته .
وفى هذه القضية نرى تأكيد الطرق الصوفية على مسألة العموميات حيث لا نجد تفاصيله لعملية تنظيم المجتمع إسلامياً ، وحيث ما يهم هو الإشارة إلى أن الإسلام الدين الرسمى للدولة دونما تحديد الكيفية التى يتم بها هذا ، ولم يكن فى أى من هذه ما يتناقض مع التوجهات الفكرية العامة للنظام السياسى .
أما بالنسبة للقضايا الخارجية فقد كان للطرق الصوفية رؤيتها تجاه بعض القضايا التى عاشتها مصر إبان الفترة (1952 – 1970) ، وكانت قضية القومية العربية من أهم القضايا التى شغلت القوى الدينية والسياسية على اختلافها ، وكان للطرق الصوفية رؤيتها تجاه هذه القضية حيث :
" العروبة التى ننادى بها ليست حركة جنس أو لون إنما حركة بعث لأمة كبرى تحتل أخطر منطقة فى الكوكب الأرضى وتمثل أرضها قلب العالم النابض وتمثل فوق هذا كله ، أنها أرض النبوات والرسالات ، أرض الإشعاع الروحى الذى تهفو إليه الإنسانية ، وتزود منه بيقينها وإيمانها ، انها حركة مبادىء تستند إلى مواريث خالدة ، وتصور لونا من الحضارة المؤمنة ، وتقدم منهجاً لأمن الانسانية وسعادتها وأخوة الإنسان وتعاونه من أبناء البشرية كافة (الإسلام والتصوف – ديسمبر 1960) .
الصوفية وقراءة التاريخ العربى
وقراءة الطرق الصوفية للتاريخ العربى نبهتهم إلى ثلاثة عوامل كان لها أثرها فى نشأة القومية العربية الأول : ما كان بين صحراء الجزيرة والبيئات المجاورة لها من اتصال فى القديم ، والثانى : السبق الحضارى الذى جعل من بعض بلاد تلك المنطقة تربة صالحة لنمو مدينة عالمية راقية ، والثالث الدين الذى أضفى على تلك المنطقة صفاء وروحانية ووضع لها أصول نهضة تشريعية وفكرية جديدة ، وأمدها – كما يقولون بالأداة الثقافية الضرورية للرقى الفكرى والاجتماعى وهى اللغة الخصبة الموحدة . [ مجلة الإسلام والتصوف عدد يناير 1961 ] .
وتأكيداً لمواكبة الفكر الصوفى لتطورات قضية القومية العربية والوحدة نشرت مجلة الإسلام والتصوف خلال الستينات تفصيلاً لعلاقة مصر بالبلدان العربية والمجاورة كالسودان وتونس والجزائر واليمن وحجم ونوعية العلاقة بينهم ذلك فى باب ثابت بعنوان " اعرف بلادك العربية " .
وكان للطرق الصوفية موقفها الفكرى أيضاً تجاه قضايا المواجهة ضد العدوان الخارجى وتبدى هذا فى اعلانها على لسان شيخ مشايخ الطرق الصوفية إبان العدوان الثلاثى على مصر بأن : " اليوم الأمة العربية تدوى من حولها العواصف ويتربص بها جبابرة عتاة بغاة فيا أيها المتصوفة فى كل مكان أن عبادة الله لا يستقيم ميزانها إلا بالجهاد فى سبيل الله ، فى سبيل خير أمتكم ، ورفاهية شعبكم وحماية وطنكم .
ويدعوهم بوضوح إلى أن يتقدموا الصفوف ، صفوف المجاهدين بأخلاقهم وإيمانهم وإيثار قلوبهم وصدورهم ، وعند الاحتفال بالانتصار الذى قاده عبد الناصر يصبح هذا الانتصار عيد للإنسانية وللحرية العالمية ، وللتحول التاريخى ، وهى ذات المواقف التى تبدت أثناء أزمة 1967 التى اعتبرتها الطرق الصوفية شكلاً من أشكال المواجهة مع أوروبا ، ودعت إلى استقاء خبرة صلاح الدين الأيوبى نتيجة تماثلها مع أحداث الفترة التى عاصرت مواجهة واضحة مع الغرب ممثلاً فى الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها (الإسلام والتصوف فبراير 1961) .
الصوفية والدعم العملى لعبد الناصر
فى سبتمبر 1959 وجه الشيخ / محمد محمود علوان شيخ مشايخ الطرق الصوفية بياناً إلى الأمة العربية قال فيه " ان معركة القومية العربية الدائرة الرحى الآن فى العراق ليست معركة العراق وحده بل هى معركة العالم العربى كافة وندد بالنكسة الرجعية وحمامات الدم ، وأكد أنها تشكل خطراً على الكيان العربى كله وعلى مقدساته وعقائده وميراثه الروحى ، وفى نفس الوقت دعا المجلس الصوفى الأعلى ، الطرق الصوفية إلى منع النساء من حضور حفلاتها المختلفة ، وكذلك أى مظهر من مظاهر الشعوذة ومن وقتها بدأ الإسهام السياسى للطرق الصوفية فى شئون المجتمع .
وتذكر وثائق الحقبة الناصرية أنه كانت هناك نوايا إلى إعادة تجميع الطرق الصوفية التى وصلت إلى 65طريقة تضم 3 ملايين مواطن فى عام 1963 ، تحت تنظيم جديد وبأهداف جديدة تتفق وقيم المجتمع الاشتراكى وأن يقضى هذا التنظيم كما نوه رئيس المجلس الصوفى بإنشاء مراكز ثقافية توجيهية لتدريب رجال الطرق وتجريد التقاليد الصوفية مما علق بها وتنظيم كتائب للخدمات الدينية والاجتماعية النافعة للشعب .
وإبان أحداث الصدام بين النظام السياسى والإخوان المسلمين عام 1965 ، كانت الطرق الصوفية إلى جانب النظام ، حيث أصدر الشيخ محمد محمود علوان بياناً فى مولد الإمام الرفاعى أعلن فيه أن رسالة التصوف هى الدعوة إلى الأمن والسلام ومحاربة أساليب العنف والإرهاب وأن الإسلام حرم التآمر فى الخفاء والمفاجأة بالإثم والعدوان وقبل الاحتفالات بأعياد الثورة كان للطرق الصوفية موقفها أيضاً حين أصدر شيخها أمراً ينوه فيه حول ضرورة أن يكون الاحتفال مهيب ويتفق وجلال المناسبة .
وكان لابد أن تصدر محاولات شتى لتطوير النظام الداخلى للطرق الصوفية ، وأن كانت فى أغلبها لم تأت بنتيجة عملية إلا على عهد السادات (عام 1976) ، مثل ذلك المؤتمر العام الذى عقدته الطرق الصوفية بالمقر الرئيسى للاتحاد الاشتراكى لمناقشة تطوير الطرق الصوفية فى ظل النظام الاشتراكى ، وقدم شيخ مشايخ الطرق الصوفية فى بداية المؤتمر اللائحة الجديدة المعدلة لكمال الدين رفعت أمين الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكى ، وأعلن شيخ المشايخ تطهير صفوف رجال الطرق الصوفية – من كل العادات والبدع التى تتنافى مع الإسلام ، كما أعلن عن إنشاء لجان لشئون العالم الإسلامى رسالتها الاتصال بجميع الطرق الصوفية فى أنحاء العالم الإسلامى وجمعها على كلمة الله فى إطار الإيمان والعمل الصالح لخير المجتمع الإسلامى " الأهرام بتاريخ 23/11/1966 .
وطالب كمال الدين رفعت – فى نفس الاجتماع – أعضاء المؤتمر من رجال الطرق الصوفية بضرورة الاهتمام بالتوجيه الدينى الصحيح للشعب فى أنحاء الريف ، وقال أن الدين ليس إرثاً وأن العمل أساس الجزاء فى الدنيا والآخرة ودعا إلى محاربة التعطل بالوراثة أو التكسب واستغلال الشعب باسم الدين وترك التواكل والسلبية والعمل الإيجابى المستمر وتواصلا مع الدور السياسى للطرق الصوفية أصدر المجلس الأعلى للطرق الصوفية بياناً فى أبريل 1967 يستنكر فيه المؤامرات الرجعية للملك فيصل وشاه إيران والملك حسين والرئيس بورقيبة ضد الثورة الناصرية وتقدمها العربى الملحوظ وقتئذ .
وقبل النكسة – يونيو 1967 – بأيام قليلة ، وتحديداً فى 27/5/1967 ، أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية بياناً هاماً يبرر فيه إصدار الرئيس عبد الناصر أوامره لقوات الطوارىء الدولية كى تنسحب من سيناء ، وإغلاق خليج العقبة ، وفسر هذه القرارات الهامة بقوله :
" أنى أريد أن أوضح لكم – يقصد هنا أفراد الطرق الصوفية فى مصر – أهمية هذا القرار بغلق خليج العقبة فى وجه إسرائيل ، ولماذا فقدت صوابها وترنحت من حول اللطمة .. ذلك لأن لهذا القرار نتيجتين هامتين : الأولى .. أن سفنهم ولاسيما حاملات البترول ستضطر للمرور حول أفريقيا عن طريق جبل طارق ثم تجتاز هذا البحر كله عرضاً حتى تصل إلى موانيهم ، وهى تستغرق ما بين أسبوعين أو ثلاثة ما كانت تستهلكه لو أنها مرت عن طريق العقبة القصير .. الثانية .. أن خط أنابيب البترول الذى مدوه من خليج العقبة إلى حيفا وغيرها على البحر المتوسط قرار تاريخى حيث سيتعطل عن العمل ويأكله الصدأ .. ان هذا القرار قرار تاريخى عظيم ، جعله الله حسرة فى قلوبهم ، وختم به على أفئدتهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم .. وإن أرادوها قارعة فنحن والعرب والمسلمون لها وأسودنا واقفة تتحرق شوقاً إلى الأمر بالإنطلاق وراء العدو .
ويحدد المطلوب الآن من الطرق الصوفية فى ثلاثة مطالب : الأول أن تثق بالقيادات ثقة قوية مضاعفة ، والثانى : أن يأخذ كل منهم مكانه فى الحرس الوطنى أو الدفاع المدنى ، والثالث أن يكرروا ما صنعوه بالعدو إبان العدوان الثلاثى عام 1956 من صلابة وشجاعة وإيمان .
وتأتى أحداث النكسة لتخلق واقعاً مغايراً للذى ابتغاه شيخ مشايخ الطرق الصوفية فى رسالته إلى أبناء الطرق جميعاً ، وهو الواقع الذى اتسم بتوجيه الانتباه إلى أهمية المسائل الروحية ، وأهمية أن يجمع الطرق الصوفية التى وصل عددها إلى 65 طريقة ، طريق واحد وفقاً لرؤية شيخها الجديد محمود الطوخى ، وتتأخر مؤقتاً المسائل السياسية فى برامجه ، والتى وصلت أوجها كما سبق القول قبل أحداث النكسة بأيام قليلة .
وفى ديسمبر 1967 سار أكبر موكب صوفى رسمى فى مصر تأييداً للقيادة السياسية فى أعقاب هزيمة 1967 مما يؤكد على استمرارية دورها القديم فى تأييد النظام السياسى ، وخاصة فى أوقات الأزمات السياسية الداخلية أو الخارجية .
وهكذا فمن واقع أفكار وممارسات الطرق الصوفية يتبين أنها تبنت سياسات أتت فى أغلبها مؤيدة للنظام السياسى وإن بدا فى الأفق خلافاً حول بعض الأمور الدينية الخاصة بالأحوال الشخصية وهذا ما حدا بالنظام السياسى إلى عدم الأخذ بمشروع القانون الخاص بتعديل المادة 103 من قانون الأحوال الشخصية – فى أبريل 1967 .
ولقد كانت للطرق الصوفية مواقفها الواضحة إبان أزمات الصدام مع الإخوان المسلمين وإبان عدوان 1956 ، وقبل هزيمة 1967 ، فكانت مؤتمراتها وبياناتها تعكس هذا الموقف المؤيد للنظام السياسى .
* تلك بعض جوانب علاقة عبد الناصر بالإسلام (عقيدة – ثقافة – مدركات – جماعات وتيارات) وهى علاقة لاتزال مليئة بالأسرار والعبر ، ولاتزال تأثيراتها ممتدة حتى يومنا هذا سواء على مستوى الفهم والإدراك لدور الدين فى المجتمع أو على مستوى طريقة التعامل مع الجماعات والتيارات والمؤسسات الدينية ، ورغم الكثير من الأخطاء بل وربما الخطايا التى أفرزتها التجربة الناصرية فى نطاق تعاملها مع الإسلام ؛ إلا أنها تظل تجربة مهمة ، ومؤثرة وموحية لمن أراد طريقاً أفضل للدين أو لهذه الدنيا التى نحياها ، والله أعلم .
للمزيد من اعمال د رفعت سيد احمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق