قبل السؤال




إن الانسان العربي  بكل ما يحمل تاريخه من صفحات مضيئة ، وبكل ما أوتى من مقومات وضعته يوماً على قمة الحضارة ، يشعر اليوم بالكثير من الارتباك . إذ يواجه واحداً من أهم تحديات حاضره .. التغيير
لقد برهن الحراك شبه الجماعي للمجتمعات العربية منذ مطلع 2011على حاجتها الماسة للتغيير . وعلى أن التغيير هو معبر تلك المجتمعات نحو حلم النهضة من جديد .. وبرغم الاجماع على الغاية الا ان الوسائل لا تزال محل كثير من الاختلاف .. اختلاف يعمي الأبصار عن رؤية الحقائق ، ويحول بينها وبين إدراك ما يجب أن يطرح اولا :
هل يمكن بناء نهضة بعيدا عن نهج معقول وفي غياب عقل ناهض ؟؟
إن بناء النهضة يقوم على أيدي الأفراد الذين يجسدونها ، يعيشون ضمنها وتشكلهم وتصوغهم كما يشكلونها ويصوغونها .ومرجعية الأفراد في النهوض ترتكز على العقل.
ومحاولة بناء النهضة بدون مراجعة العقل المدبر لها هي محاولة عبثية وكذلك محاولة احياء ماضي مجتمعنا العربي وإسترجاع عظمته دون فهم النهج الذي سار عليه من قبلنا ومكنهم من تحقيق ما نتباهى به اليوم من امجاد...
اننا لم نتمكن من استعادة النهضة لأننا نفتقد أهم مقوماتها ..
نفتقد النهج الذي يقودنا اليها
والفكر الذي يرسم لنا ذاك النهج ..
لقد إعتدنا أن نفكر ،  لا حسب طبيعة الأشياء ، ولكن حسب عادات فكرية توجه فكرنا مبدئيا في إتجاه معين ، سواء كان هذا الاتجاه صالحا يناسب فعلا ما تقتضي المشكلات من حلول ام لا يناسب .
نفكر من خلال عادات فكرية تعمل مفعولها في صورة البديهيات التي تطبق دون أي تحفظ.*
و تلك البديهيات كان لها تاريخها ودورها السلبي في تعطيل مسيرة الكون قرونا طويلة.
و خاصة عندما تكتسب تلك البديهيات صفة الثبات وتتحول إلى مسلمات عقلية خارج أطر التفكير وثوابت نفسية غير قابلة للمراجعة .. لتصبح  أصناما  فكرية تعارض السنة الكونية في التغير والتطور الذي هو سمة كل الخلق ..
إن سجون تلك العادات الفكرية - البديهيات - هي ذاتها التي واجهت إنطلاقة عالمنا العربي قديما عند ظهور الإسلام وأخرت إنتقال الإنسان العربي من عصر الجاهلية إلى عصر الحضارة  .
وربما يكون مجتمعنا العربي قد نجح لبرهة من الزمن أن يتخطى الجاهلية ووثنيتها العقائدية والفكرية واستطاع حينها أن يحلق في آفاق الحضارة الانسانية وينشر ضوء رسالته الى أنحاء المعمورة .. ولكن الامور سرعان ما إرتدت للوراء وراحت الأصنام الفكرية تنصب من جديد وعادت ظلمة  الجاهلية تخيم ثانية على فضاءات عالمنا العربي ..
تلك الجاهلية  هي نفسها التي تقف في وجهنا اليوم وغدا ..
وتلك الوثنية هي ذاتها ما يجب مواجهتها لتحقيق النهضة..
ان ما قبل السؤال هو تحديد هذه البديهيات المسيطرة على حركتنا التي نحتاج لمواجهتها  .. وتلك الأصنام  المتسلطة على عقولنا التي يتحتم هدمها .. والتحرر من المسلمات واعادة النظر بعقلانية الى ماضينا  وحاضرنا ومواجهة دورنا الحقيقي في بناء مستقبلنا ..
ولأن سعي مجتمعنا العربي الى غد افضل لا يستقيم دون فهم حاضره وما يدور فيه من حراك ..
ودون استقراء لماضيه وما يحتويه من قدره وتوجيه  ..
دون التعرف على الانسان الذي له وبه كان المجتمع العربي ..
ودون اكتشاف النهج الذي يصل بين ما كان وما نسعى ان يكون .
ولأن المعرفة تبدأ بالسؤال ..
يأتي سؤال نحو تغيير المجتمع العربي
محاولة لمعرفة من نحن وما هو دورنا في تاريخ الوطن المتتابع الحلقات ..

* مالك بن نبي - تأملات

هناك 3 تعليقات:

  1. فعلا يا فندم حطيت صباعك على المشكلة الحقيقية وثنية المسلمين المعاصرين
    احمدالله

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا يا احمد على اهتمامك وفي انتظار ارائك دائما ومشاركاتك ان امكن

      حذف
  2. طالما بيننا عقول مستنيرة وشخصيات ايجابية ومواهب حقيقية وطاقات فعالة مثلك يا شيماء فالنهضة آتية لا ريب في ذلك،أحييك على رشاقة أسلوبك وسلاسة أفكارك وارجو لك كل توفيق
    ياسمين شاهين

    ردحذف